للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ ــ « ... زعموا أَنَّ للخليل ثلاثة أياد عند العرب كبار لم يسدِ مثلها إليهم عربيٌّ منهم: أحدها ما نهج لتلميذه سيبويه من التأتي لتأليف كتابه حتى علّمه كيف يفرّق جمهور النحو أبوابا، وتُجَنَّسُ الأبوابُ أجناسا، ثُمَّ تنوع الأجناس أنواعا حتى أخرجه معجز التأليف؛ فَقَيَّدَ به على العرب منطقهم؛ حتى سلم أعقابهم للإعراب وتقويم اللسان من هُجْنَة اللحن وخطأ القول» (١).

٥ ــ «اجتمع على صنعة كتاب سيبويه اثنان وأربعون إنسانا منهم سيبويه، والأصول والمسائل للخليل» (٢).

ومجموع هذه النقول وخاصة الأخير منها يُعَبِّر عن «حقيقة علمِيَّة حتمية، وهي أَنَّ كتاب سيبويه إِنَّمَا هو لقاح جهود النُّحَاة الذين سبقوه؛ إذ لا يعقل أَنْ يبدع سيبويه هذا العلم المتكامل دون أَنْ يفيد من تلك الجهود الأصيلة التي رسمت كثيرا من أصول النحو ومسائله ومقاييسه وعلله» (٣).

وقد سجل سيبويه بنفسه بعض الحوارات التي دارت بينه وبين الخليل، فكان سيبويه يسأل والخليل يجيب، ولعل أطول هذه الحوارات الحوار الذي دار في الكتاب في باب النداء) (٤).

وإثبات العلماء لهذا التأثير ونصِّهم عليه أمر له تَبِعاته العلميَّة، فما يُسْتخلَص من نتائج في هذا البحث لن يكون خالصا لسيبويه من دون الخليل، والمقولة الخطيرة التي أوردها ياقوت في نصه السابق من نهج الخليل الطريق لكتاب سيبويه تؤكد على أحقيته في هذه النتائج، وأنَّه سبب فيها.

o منزلة سيبويه العلميَّة:

كان سيبويه نسيجَ وحدِهِ، منقطع النظير، لا تُفْتَحُ العينُ على مثله، من أعلم الناس باللُّغَة؛ قال الزجاج: «إذا تأملت الأمثلة في كتاب سيبويه تبيَّنت أَنَّهُ أعلم الناس باللُّغَة» (٥). وكان «غاية الخلق في النحو» (٦)؛ قال ابن خلكان: «كان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، ولم يوضع فيه مثل كتابه. وذكره الجاحظ يوما فقال: لم يكتب الناس في النحو مثله، وجميع كتب الناس عليه


(١) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ٣/ ١٢٦١
(٢) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٤٧، ويشكك د. علي النجدي في هذه الرواية، ويرى فيها ((شكا وغمطا)) ويراها ((من أمثلة المنافسة والعصبية)). سيبويه إمام النُّحَاة، عالم الكتب، ط ٢، ) ١٩٧٩ م (ص ١٣٥
(٣) سيبويه: الكتاب، ت: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط ٦، ) ٢٠١٣ م (، مقدمة المحقق ١/ ٢٥ ــ ٢٦
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٨٣
(٥) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويّين، ص ٧٢، القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٩٨
(٦) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، ٢/ ٣٥٥ ــ ٣٥٦

<<  <   >  >>