للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعليق الأول لعبد القاهر الجرجاني، يقول فيه: «لا نعلم أحدا أتى في معنى هذا الكلام بما يوازنه أو يدانيه، ولا يقع في الوهم أيضا أَنَّ ذلك يُستطاع. ألا ترى أَنَّه إِنَّمَا جاء في معناه قولهم: والفعل ينقسم بأقسام الزمان: ماضٍ، وحاضر، ومستقبل، وليس يخفى ضَعْفُ هذا في جنبه، وقصوره عنه») (١).

والتعليق الثاني لشيخنا محمود شاكر يشرح عبارة سيبويه ويشفعه بالثناء والمدح قائلا:

«فأنت تراه عيانا الآن أَنَّ سيبويه قد استطاع في جملة واحدة قصيرة لا تتجاوز سطرا واحدا، استطاع أَنْ يُلم بجميع الأزمنة المقترنة بأمثلة الفعل، دون أَنْ يُخل بشيء منها فهي جملة محكمة شديدة الإحكام عجز النُّحَاة من بعده أَنْ يلموا بها في حدودهم التي كتبوها عن الفعل، فأي رجل مُبينٍ كان سيبويه؟ ! ») (٢).

إن ختام التعليقين السابقين من هذين العَلَمَين الجليلين يؤدي إلى نتيجة مُهِمَّة، هي أَنَّ النُّحَاة من بعد سيبويه لم يحيطوا علما بكل ما في كتابه من فوائد علمِيَّة قيمة، وأنَّ الكتاب ــ على الرَّغْم من كثرة شروحاته التي تنقلها كتب التراجم ــ لم يلق العناية الكافية من الدراسة والبحث، وأنَّه ما زالت توجد الكثير من عبارات سيبويه التي تحتاج إلى فضل تأمل ونظر) (٣).

[ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر]

اهتمَّ سيبويه في كتابه بدراسة أبنية الأسماء والأفعال، وتُنْسَبُ إليه الرِّيادة في هذا الاهتمام بتلك الأبنية. قال السيوطي نقلا عن ابن القَطَّاع: «قد صنَّف العلماء في أبنية الأسماء والأفعال، وأكثروا منها، وما منهم مَن استَوْعَبَهَا. وأوَّلُ من ذكرها سيبويه في كتابه، فأورد للأسماء ثلثمائة مثال وثمانية أمثلة، وعنده أنَّه أتى به») (٤).

ومن الأبنية التي اهتَمَّ بها سيبويه أبنية المصادر ودلالتها، وقد اعتمد على السِّياق في تحديد دلالة أوزان بعض المصادر، فنجد أَنَّهُ:

- في أحد أبواب الكتاب عنوانه «هذا باب أيضا في الخصال التي تكون في الأشياء»، يقول:

«أَمَّا ما كان حسنًا أو قبحًا فإِنَّهُ مما يبنى فعله على فَعُلَ يَفْعُلُ؛ ويكون المصدر فَعَالا وفَعَالة


(١) عبد القاهر الجرجاني: الرسالة الشافية في وجوه الإعجاز ــ ملحق: دلائل الإعجاز، ص ٦٠٤
(٢) المتنبي، ص ١٤
(٣) أشار أستاذنا د. حماسة عبد اللطيف ــ في بعض محاضراته ــ أنه أقام كتابه المهم ((النحو والدِّلَالَة)) على عدة جمل قصيرة من كتاب سيبويه.
(٤) المزهر في علوم اللغة وأنواعها: ٢/ ٤

<<  <   >  >>