للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنَّما يريد أَنْ يعرفك شيئا بقلبك ولا يريد أَنْ يعرفكه بعينك، فلذلك صار هذا يُنعت بالطويل ولا يُنعت الطويل بهذا؛ لأنَّهُ صار أخصَّ من الطويل حين أراد أَنْ يعرفه شيئا بمعرفة العين ومعرفة القلب. وإذا قال الطويل فَإِنَّما عرَّفه شيئا بقلبه دون عينه، فصار ما اجتمع فيه شيئان أخص») (١).

ومن النَّصّ الأخير يستفاد أَنَّ المخاطب يلعب دورا غير مباشر في اختيار النعت، فهو المقصود به فإذا لم يستفد المخاطب فائدة من النعت فلا يجوز استخدامه، وليست هناك حاجة إليه.

ــ رابعا العطف:

وقف الباحث على نصوص قليلة في الكتاب تبرز علاقة السِّياق بحروف العطف، منها:

١ ــ نص يفيد أَنَّ اختيار حرف العطف المناسب في الكلام يتوقَّف على السِّياق وإرادة المُتَكَلِّم، يقول: «ومما يدلك أيضًا على أَنَّ الفاء ليست كالواو قولك: مررت بزيد وعمرو، ومررت بزيد فعمرو، تريد أَنْ تُعلِم بالفاء أَنَّ الآخرَ مُرَّ به بعد الأول») (٢).

إنَّ اختيار الفاء أو الواو يتوقَّف على السِّياق وإرادة المُتَكَلِّم؛ فإذا أراد المُتَكَلِّم أنْ يُعلِم المخاطب أَنَّ المعطوف عليه يقع أولا ثُمَّ المعطوف على سبيل الترتيب استخدم الفاء؛ وإن أراد مطلق الجمع ولم يرد ترتيبا استخدم الواو.

٢ ــ وفي نصّ ثان يوضح أَنَّ السِّياق قد يُثري المعنى الدِّلَالِيّ مع حرف العطف «أو»، يقول:

«ومثل ذلك أَنْ تقول: ادخل على زيد أو عمروٍ أو خالدٍ، أي: لا تدخل على أكثر من واحدٍ من هؤلاء. وإن شئت جئت به على معنى ادخل على هذا الضرب») (٣).

إن جملة «ادخل على زيد أو عمروٍ أو خالدٍ» لها معنيان: الأول: أَنَّ المُتَكَلِّم يأمر المخاطب أَنْ يدخل على أحد هذه الأشخاص المُعَيَّنَة المحددة نفسها، والثاني: أَنَّهُ يأمره أَنْ يدخل على ما يشبه في الطباع والخصائص والأخلاق مثلا هؤلاء الثلاثة. وهذا ما يفهم من كلمة «الضرب» في كلام سيبويه، التي تعني: «الصنف والمثل والشكل والنوع») (٤).

ولا شك أنَّ الفَيْصل بين المعنيين هو السياق. ونضيف أَنَّ المعنى الثاني لـ «أو» في النص السابق يجعلها تفيد ــ كما يقول العلماء ــ «الإباحة» ويستبعَد عنها معنى «التخيير»؛ لأن «التخيير لا


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٧
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٤٢
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٨٤
(٤) ينظر مادة: ((ض ر ب)) في مختار الصحاح ص ١٨٣، والمعجم الوسيط ١/ ٥٣٧

<<  <   >  >>