للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبيح الجمع بين الشيئين أو الأشياء، والإباحة تبيحه، فإذا قلت: «خذ قلمًا أو دفترًا»؛ لم يجز له أخذهما جميعا، وإذا قال: «جالس العلماء أو الزهاد»، جاز له أن يجالسهم جميعا؛ إذ المقصود: جالس هذا الضرب من الناس») (١).

٣ ــ وفي نصّ ثالث نلمح منه أَنَّ ما بعد حرف العطف «الواو» قد يتَأَثَّر بسياق الحال؛ فيمنع عطفه على ما قبله. ففي قوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} (٢) من الممكن ــ بعيدا عن سياق الآية ومعناها ــ نصب الفعل {وَنُقِرُّ}؛ ولكن معنى الآية وسياقها يمنع النصب ويوجب الرفع على تقدير: «ونحن نقر في الأرحام؛ لأنَّهُ ذكر الحديث للبيان ولم يذكره للإقرار») (٣).

قال ابن يعيش: «وقوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ}، لم يأت «ونقر»، إلا مرفوعا على الابتداء والاستئناف، كأنَّه قال: و «نحن نقر في الأرحام»، ولو نصب، لاختل المعنى، إذ كان بعد إذ ذلك لنبين لكم القدرة على البعث؛ لأنَّه إذا كان قادرا على ابتداع هذه الأشياء بعد أن لم تكن كان أقدر على إعادتها إلى ما كانت عليه من الحياة؛ لأنَّ الإعادة أسهل من الابتداع») (٤).

٤ ــ ويلعب السِّياق دورا ملحوظا مع حرف العطف «أم»، ولكن قبل إبراز هذا الدور نقول: إِنَّ

«أم» التي تأتي متصلة لإفادة التعيين تأتي في مرحلة لاحقة من بداية الكلام؛ إذ إِنَّ «أم» التي تفيد التعيين ــ كما قال صاحب النحو الوافي ــ «تكون متوسطة بين شيئين، ينسب لواحد منهما أمر يعلمه المُتَكَلِّم، ولَكِنَّه لا يعلم ــ على وجه التعيين ــ صاحبه منهما، وقبلهما معا همزة استفهام يراد منها ومن أم تعيين أحد هذين الشيئين، وتحديد المختص منهما بالأمر الذي يعرفه المُتَكَلِّم، ويسأل عن صاحبه الحقيقي؛ ليعرفه على وجه اليقين لا التردد والشك») (٥).


(١) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، ٣/ ٢٥١
(٢) قال الإمام القرطبي في تفسير قوله: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} الحج: ٥ في المسألة الحادية عشرة ما نصه: ((الحادية عشرة {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} يريد: كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم. {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} قرئ بنصب نقر ونخرج، رواه أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم قال: قال أبو حاتم: النصب على العطف. وقال الزجاج: نقر بالرفع لا غير؛ لأنَّهُ ليس المعنى: فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء وإِنَّمَا خلقهم عز وجل ليدلهم على الرشد والصلاح. وقيل: المعنى لنبين لهم أمر البعث، فهو اعتراض بين الكلامين. وقرأت هذه الفرقة بالرفع ((ونقر))، المعنى: ونحن نقر. وهي قراءة الجمهور)). الجامع لأحكام القرآن، ١٢/ ١١
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٥٣، وينظر تفسير السيرافي للآية الذي أورده الأستاذ هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ٣
(٤) شرح المفصل، ٤/ ٢٥٥، وينظر أيضا: الجنى الداني في حروف المعاني، ص ١٦٣
(٥) أ/ عباس حسن: النحو الوافي، ٣/ ٥٨٩ ــ ٥٥٩٠

<<  <   >  >>