للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواضح من الكلام هنا أَنَّ «أم» التي تفيد التعيين يجب أَنْ تسبق بسياق على الجملة التي تحتويها فهناك أمر يعلمه المُتَكَلِّم، وهناك شيئان يحار المُتَكَلِّم لأيِّهما ينسب هذا الأمر، وهو يأتي بـ «أم التعيينية» لتحديد ذلك. وكلام صاحب النحو الوافي يدل على أَنَّهُ يجب أَنْ يكون هناك مخاطب يتولي هذا التحديد الذي يطلبه المُتَكَلِّم منه عن طريق الاستفهام الموجود في بداية الكلام.

يؤكد سيبويه هذا المعنى في أحد نصوصه قائلا: «وذلك قولك: أزيدٌ عندك أم عمروٌ، وأزيدًا لقيت أم بشرًا؟ فأنت الآن مدَّع أنَّ عنده أحدهما؛ لأَنَّكَ إذا قلت: أيهما عندك، وأيَّهما

لقيت؛ فأنت مدّعٍ أَنَّ المسئول قد لقي أحدهما، أو أَنَّ عنده أحدهما، إلَّا أَنَّ علمك قد استوى فيهما لا تدري أيهما هو») (١). أي أَنَّ المُتَكَلِّم في جملة «أزيدًا لقيت أم بشرًا؟ » متأكد من حدوث «لقاء» قد تمَّ ووقع، وما يريده فقط أَنْ يحدد لمن من المُعَيَّنَين كان اللقاء.

و«أم» بهذا تختلف عن حرف العطف «أو» عندما نقول: «ألقيت زيدا أو عمرا أو خالدا، وأعندك زيد أو خالدٌ أو عمروٌ، كَأَنَّك قلت: أعندك أحدٌ من هؤلاء، وذلك أنّك لم تدَّع أَنَّ أحدًا منهم ثُمَّ») (٢). فهنا المُتَكَلِّم ليس على علم بـ «لقاء أو وجود» أحد هؤلاء الثلاثة من الأصل ولا يطلب تعيين اللقاء أو الوجود لأحد هؤلاء الثلاثة، بل الجملة استفهام عن مجرد كينونة اللقاء أو الوجود.

وعلى هذا فَإِنَّ سياق الكلام يتدخل في اختيار المُتَكَلِّم لحرفي العطف «أم» أو «أو»، يقول سيبويه: «وتقول: أتجلس أو تذهب أو تحدثنا، وذلك إذا أردت هل يكون شيءٌ من هذه الأفعال. فأمَّا إذا ادَّعيت أحدهما فليس إلاَّ أتجلس أم تذهب أم تأكل، كأنَّك قلت: أيَّ هذه الأفعال يكون

منك») (٣).

ويقول في نصّ ثان: «ولو قلت: لأضربنَّه أذهب أو مكث لم يجز، لأَنَّكَ لو أردت معنى أيهما

قلت: أم مكث، ولا يجوز لأضربنَّه مكث») (٤).

ومن الطريف أَنْ نذكر أَنَّ سيبويه يسمي السِّياق الذي يسبق «أم» بـ «القصة»، يقول:

« ... لأنَّهُ قَصَدَ قَصْد أحد الاسمين، فبدأ بأحدهما؛ لأَنَّ حاجته أحدهما، فبدأ به مع القصة التي لا يسأل عنها؛ لأنَّهُ إِنَّمَا يسأل عن أحدهما من أجلها، فَإِنَّما يفرغ مما يقصد قصده بقصته ثُمَّ


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٦٩
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٧٩
(٣) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٨٠
(٤) سيبويه: الكتاب، ٣/ ١٨٦

<<  <   >  >>