للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك فرق في المعنى بين الجملتين، فالجملة الأولى: «ولا زيدٌ ذاهبًا»: «إِنَّمَا تنفي انطلاقه فيما مضى»، وإذا قلت: «ولا زيدٌ ذاهبٌ» فَإِنَّما «تنفي انطلاقه الساعة») (١).

إن الخيارات النحوِيَّة التي يكون الاستئناف سببا فيها مرتبطة ولا شك بالسِّياق كما يبدو من المعاني التي يُقَدِّمها السيرافي في هذه الجملة.

***

المبحث الرابع: سياق الحال والأساليب النحوِيَّة:

سنرصد هنا علاقة سياق الحال بالأساليب النحوِيَّة المختلفة، وسيكون منهجنا في ذلك تجميع المادة العلميَّة التي يظهر فيها تأثير سياق الحال على تلك الأساليب، ثُمَّ تصنيف هذا المادة، وتحديد ما يخص كل أسلوب على حدى. وذلك كله بالطبع من خلال نصوص سيبويه.

[١ ــ أسلوب الاستفهام]

أسلوب الاستفهام في صميمه يعتمد على سياق حال، فالاستفهام هو: «استعلام ما في ضمير المخاطب») (٢). وهو «عند أهل العربِيَّة من أنواع الطلب الذي هو من أقسام الإنشاء، وهو كلام يدلّ على طلب فهم ما اتصل به أداة الطلب ... ، ولكون الاستفهام طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم أنْ لا يكون حقيقة إلّا إذا صدر عن شاكّ يصدق بإمكان الإعلام فَإِنَّ غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت فائدة الاستفهام») (٣).

إن الاستفهام في الأصل يكون عندما يوجد إنسان عاقل يجهل شيئا، أو يطلب فهم شيء لا يفهمه. وهذا الأسلوب عقلا ومنطقا يتطلب ثلاثة أطراف: متكلم مستفهِم، ومخاطَب مستفهَم، ومستفهَم عنه. ونلاحظ على هذا الأسلوب أَنَّهُ من الأساليب التي لا يُبتَدأُ بها الكلام عادة، فهو من الأساليب التي تأتي لاحقا فيه؛ أي أنها تستلزما سياقا ما وقع قبلها.

وقد رصد سيبويه بطريقته الاختزالية النَّمَطِيَّة التي أوضحناها مسبقا تأثير سياق الحال على هذا الأسلوب، فأوضح أَنَّ السِّياق قد ينقل الاستفهام عن وجهته الاستفهامية إلى أغراض أخرى، مثل:


(١) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ١/ ٣٣٢
(٢) الجرجاني: التعريفات، ت: إبراهيم الإبياري، دار الريان للتراث، القاهرة، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص ٣٧
(٣) التهانوي: كشاق اصطلاحات الفنون، ١/ ١٧١

<<  <   >  >>