للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

« ... منعوت نكرة + أيّ + المنعوت الأول مكررا»، وربطه بدلالة سياقية معينة، وهي هنا الدلالة على «الكمال والتعجب والمبالغة في المدح».

وقد تتبع بعض النُّحَاة من بعد سيبويه «أَيَّ» تاريخيًّا ودلاليًّا، وذكروا أَنَّها نقلت عن الاستفهام، وأكدوا الجانب الدلالي السياقي الذي ذهب إليه سيبويه، يقول الرَّضِيّ: «والذي يقوى عندي أن «أيَّ رجل» لا يدل بالوضع على معنى في متبوعه، بل هو منقولٌ عن «أَيٍّ» الاستفهامية، وذلك أنَّ الاستفهامية موضوعة للسؤال عن التعيين، وذلك لا يكون إلا عند جهالة المسؤول عنه، فاستعيرت لوصف الشيء بالكمال في معنى من المعاني، والتعجب من حاله، والجامع بينهما أنَّ الكامل البالغ غاية الكمال بحيث يتعجب منه يكون مجهول الحال، بحيث يُحتاج إلى السؤال عنه») (١).

بقي من أمور النعت المرتبطة بسياق الحال التي أشار إليها سيبويه ما يلي:

• يشير سيبويه إلى أَنَّ النعت إذا جاء للمدح لابد أَنْ يكون المنعوت الممدوح معروفا مسبقا عند المُتَكَلِّم، فلا يجوز المدح بالنعت لمن لا يعلمه المُتَكَلِّم، يقول: «[إنك] لا تُثني إلا على من أثبته وعلمتَه، ولا يجوز أَنْ تَخلِط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، وإِنَّمَا الصفة علَمٌ فيمن قد علمتَه») (٢). أي أَنَّ إجازة المدح بالنعت مرتبطة بمعرفة المُتَكَلِّم السابقة بهذا المنعوت الممدوح، وما يعرفه عنه من الخصال الكريمة ما جعله يمدحه ويقبل مدحه، وهذا ما أثبتناه قريبا.

• الأمر الثاني: أَنَّ النعت الذي لا يفيد معنى أو فائدة لا يجوز أَنْ يكون نعتا. وذلك مثلا بأن ينعت العام بالخاص، يقول:

» «ومن قال: إِنَّ هذا أخاك منطلقٌ قال: إِنَّ الذي رأيتُ أخاك ذاهبٌ. ولا يكون الأخ صفة للذي؛ لأَنَّ أخاك أخصُّ من الذي، ولا يكون له صفة من قبل أَنَّ زيدا لا يكون صفة لشيء») (٣).

»

«وإِنَّمَا منع أخاك أَنْ يكون صفة للطويل أَنَّ الأخ إذا أضيف كان أخصَّ، لأنَّهُ مضاف إلى الخاص وإلى إضماره، فَإِنَّما ينبغي لك أَنْ تبدأ به وإن لم تكتفِ بذلك زدتَ من المعرفة ما تزداد به معرفة. وإِنَّمَا منع هذا أَنْ يكون صفة للطويل والرجل أَنَّ المخبِر أراد أَنْ يقرب به شيئا ويشير إليه لتعرفه بقلبك وبعينك، دون سائر الأشياء. وإذا قال الطويل


(١) شرح الرَّضِيّ لكافية ابن الحاجب، القسم الأول، ص ٩٧٥، وينظر أيضا الخصائص، ٣/ ٢٧٠
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٦٠
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٤٩

<<  <   >  >>