للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحرب في أول أحوالها فتية، فأول نصب على الظرفية. وتقدير الثالث والرابع أوضحهما سيبويه») (١).

هكذا يقدم سيبويه توجيهاته النحوِيَّة بدون تحفظ على توجيه ما لعدم وجود قرينة تمنع توجيها وتسمح بآخر؛ وهذا يؤكِّد ما ذهب إليه علماؤنا أَنَّ «تعَدُّد المعنى يكشف عن عدم كفاية القرائن» (٢)

ب ــ يوجه سيبويه قول من قال: دخلوا الأولَ فالأولَ بالنصب والرفع، النصب على الحال، كَأَنَّه جرى مجرى قولنا «واحدًا فواحدًا ودخلوا رجُلا رجلا»، ويجوز الرفع فنقول: «دخلوا الأولُ فالأولُ، جعله بدلا، وحمله على الفعل، كَأَنَّه قال: دخل الأولُ فالأولُ») (٣).

والواقع أَنَّنا يمكن أَنْ نعطي عشرات الأمثلة على هذا التوجيه الحر، فالكتاب يفيض به في الكثير من المواضع) (٤). لكن ما يهمنا هنا المواضع التي تَدَخَّلَ فيها سياق الحال فمنع توجيها نحويا ما وسمح بآخر؛ أي: المواضع التي اتخذ فيها سيبويه سياق الحال كـ «قرينة» لمنع توجيه ما أو إجازته. وفيما يلي مجموعة من الأمثلة فيها توجيهات نحوِيَّة استغل سيبويه فيها سياق الحال في عَمَلِيَّة التوجيه:

١ ــ المثال الأول:

أحد الأمثلة المُهِمَّة التي استغل فيها سيبويه سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ نجدها عند مناقشته لبيت امرئ القيس:

فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ ... كَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ [بحر الطويل]

في هذا البيت لدينا فعلان «كفاني» و «أطلب»، وكلاهما يطلبان كلمة «قليل» كمعمول، الفعل «كفاني» يطلبها فاعلا له، والفعل «أطلب» يطلبها مفعولا به. ونظريا وبعيدا عن السِّياق فَإِنَّ كلمة ((قليل)) يمكن أَنْ تُنْصب على أنَّها مفعولا به، ويكون المعنى: ((فلو أَنَّ ما أسعى لأدنى معيشة لم أطلب قليلا من المال» أي أَنَّ امرأ القيس: «ما سعى لأدنى معيشة، ومع ذلك فقد طلب قليلا من


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٠١، الحاشية ذات الرَّقْم ٣
(٢) د. تَمَّام حسان: البيان في روائع القرآن، ١/ ١٦٤
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٩٨
(٤) ينظر على سبيل المثال هذا التوجيه الحر في: الموضع: ١/ ٢٧٤ ــ ٢٧٥ مع قوله: ((شأنك والحج))،
والموضع: ١/ ٤٣٢ مع قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} آل عمران: ١٣، والموضع: ١/ ٢٨٦ مع قوله ((ألا رجل إما زيدا وإما عمرا .. ))، والموضع: ١/ ٣٤٥ مع قول الشاعر: ((أعبدًا حل في شُعَبى غريبًا ... ))، والموضع: ٢/ ١٤٧ مع قوله ((إِنَّ زيدًا منطلق العاقلُ اللبيب))، والموضع: ٢/ ٤٠٦ عند مناقشة قوله ((أي من يأتينا يريد صلتنا فنحدثُه)). والموضع: ٢/ ١١ عند مناقشة قوله: ((سير على اللص اليوم)).

<<  <   >  >>