للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المال)). أَمَّا إذا أتت ((قليل)) فاعلا للفعل «كفاني» فَإِنَّ المعنى يكون: «لو أَنَّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك») (١).

نعود للتوجيه ثانية ونقول: بناء على هذين المعنيين اللذين وقفنا عليهما فأيُّ التوجيهين يقبل، وأيُّهما يرفض؟ بالطبع يرفض التوجيه الإعرابِيّ الأول «نصب قليلا»؛ لأَنَّ مقتضاه المعنى الأول، وهذا المعنى ينافي سياق الحال المعروف عن امرئ القيس وقصته في طلب ملك أبيه) (٢)؛ لذلك فَإِنَّ سيبويه قال ببراعة عند ذكر هذا البيت:

«فَإِنَّما رفع؛ لأنَّهُ لم يجعل القليل مطلوبا، وإِنَّمَا كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافيا، ولم يرد ذلك ونصب؛ فسد المعنى») (٣).

أي أَنَّ المعنى مع حالة النصب سيتناقض مع سياق الحال المعروف من قصة امرئ القيس؛ لذلك مُنِع توجيه النصب وأجيز الرفع. قال ابن يعيش: «وتلخيص معنى البيت: إنني لو سعيت لمنزلة دنيَّة، كفاني قليل من المال، ولم أطلب الكثير؛ ألا ترى أنَّه قال في البيت الثاني:

ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

ولو نصب «قليلا» بـ «أطلب» استحال المعنى، وصار التقدير: كفاني قليل ولم أطلب

قليلا») (٤).

٢ ــ المثال الثاني:

في باب الاختصاص يورد سيبويه بعض الشواهد على هذا الأسلوب، منها قول رؤبة:

راحَتْ وَراحَ كَعَصَا السَيْسابْ ... بِنَا تَمِيمًا يَكْشِفُ الضَبابْ [بحر الرجز]

ويستشهد بهذا البيت على نصب «تميمًا» على الاختصاص. ويورد في نفس الباب بيتًا آخر مشابه لبيت رؤبة، هو بيت لبيد الذي يقول فيه:


(١) ينظر: فخر الدين الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ٣، ) ١٤٢٠ هـ (، ١/ ٦٦ إذ تعرض لتفسير هذا البيت، وما نقل عاليه من كلامه.
(٢) يقول المؤرخون إِنَّ امرأ القيس هو حندج بن حُجْر، كان أبوه يمني الأصل، ملكا على بني أسد وغطفان بنجد، وانغمس هو في اللهو والخمر والصيد. قَوَّضَ بنو أسد ملك أبيه وقتلوه؛ فتلمس معاونة القبائل في الثأر لأبيه، واستعادة ملكه. ينظر التفاصيل التاريخِيَّة الكاملة لهذا: ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ت: عمر عبد السلام، دار الكتاب العربي، بيروت، ط ١، ) ١٩٩٧ م (، ١/ ٤٦١.
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٧٩
(٤) شرح المفصل: ١/ ٢١٢

<<  <   >  >>