للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السِّياق الذي ترد فيه هذه الجملة، ففي حالة تفعيله يمكن أَنْ نقول: ((لا آمرًا يوم الجمعة))؛ فتتحول الكلمة من حال البناء) اسم لا النافية للجنس مفرد (إلى حال الإعراب.

ففي حالة إذا قلنا: ((لا آمرًا يوم الجمعة)) بالتنوين (يقول سيبويه في معناها: «نفيت الآمرين يوم الجمعة لا من سواهم من الآمرين») (١)؛ بمعنى أَنَّ «يوم الجمعة منصوب بـ «آمر»؛ كَأَنَّك قلت: لا رجل يأمر يوم الجمعة؛ فنفيت من يقع أمره في يوم الجمعة دون سواهم») (٢). أي أنَّني هنا نفيت بعض الآمرين وليس كل الآمرين.

وفي حالة ((لا آمرَ يوم الجمعة)) يقول سيبويه: «تنفي الآمرين كلهم، ثُمَّ أعلمت في أي

حين») (٣) أي إنْ قلت ــ كما يقول السيرافي في شرحه ــ: «لا آمرَ يوم الجمعة؛ فقد نفيت الآمرين كلهم؛ لأَنَّكَ لم تعلق الأمر بيوم الجمعة؛ فصار كَأَنَّك قلت: «لا آمر»، كما تقول: «لا رجل». وتضمر الخبر، وتجعل «يوم الجمعة» ظرفا لذلك الخبر، كَأَنَّك قلت: لا آمر لنا يوم الجمعة؛

أي: نملكه يوم الجمعة») (٤). أي أنني هنا نفيت جنس الآمرين جميعهم.

هذا مثال آخر يعلمنا فيه سيبويه أهمِيَّة اعتبار السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ.

وهنا أحب أَنْ أؤكد على نتيجة سبق أَنْ أشرت إليها وهي ارتباط العلامة الإعرابِيّة بالسِّياق، فالسِّياق يؤدي إلى علامة إعرابية مُعَيَّنَة، والعلامة الإعرابِيّة تؤدي إلى سياق مُعَيَّن. فالمُتَكَلِّم الأول ــ إِنْ جاز هذا التعبير ــ تحت سيطرة السِّياق وضع علامة إعرابية ما، فارتبطت هذه العلامة بهذا السِّياق المُعَيَّن، وثبت هذا الأمر بدوره في وعي دارس اللُّغَة ومقعِّد قواعدها، فإذا حدث واستخدمنا هذه الجملة بهذه العلامة الإعرابِيّة نكون في هذه الحالة مستصحبين للسياق الأول الذي أوجد هذه العلامة. أي أَنَّ هناك علاقة متبادلة بين السِّياق والعلامة الإعرابِيّة، السِّياق يؤدي إلى علامة إعرابية مُعَيَّنَة، والعلامة الإعرابِيّة تؤدي إلى دلالة سِيَاقِيَّة مُعَيَّنَة؛ لذلك «يستثمر الموجهون من أهل المعاني والتفسير هذه الإمكانات الأسلوبية التي تتيحها أوجه الرفع والنصب بناء على تقدير عاملها من الاسمية والفعلية في إبراز بعض الأحكام الفقهية؛ فيترجح وجه الرفع فيما سبيله الفرض والواجب ويترجح وجه النصب فيما له دلالة على المندوب») (٥).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٨٨
(٢) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٣/ ٢٧
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٨٨
(٤) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٣/ ٢٧
(٥) د. أحمد سعد محمد: التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية، مكتبة الآداب، ط ٢) ٢٠٠٠ م (، ص ٩٨

<<  <   >  >>