للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التقييد يمكن أَنْ يفسر عقليًّا بأنَّ اسم الإشارة لابدَّ أَنْ يُصحَب بالمشار إليه، وذكر المشار إليه بعد اسم الإشارة لا يعطي للمخاطب كبير فائدة؛ فإذا ذكر الخبر بعد اسم الإشارة وبعد هذا الخبر حال؛ فلابد أَنْ يتَّجه إلى أَنَّ المقصود التنبيه؛ أي يدعم هذا التنبيه مع اسم الإشارة ويؤكده.

***

وقبل أَنْ ننهي كلامنا هنا عن تأثير قرينة السِّياق على الجملة الاسمِيَّة نحبُّ أَنْ نشير إلى بعض النقاط المُهِمَّة:

- إن فكرة القدر المعرفي المشترك بين المُتَكَلِّم والمخاطب اللازم لإيجاد المبتدأ اللازم بدوره لإيجاد الجملة الاسمِيَّة ليست مقصورة فقط على الجملة الاسمِيَّة، بل تمتد في بعض الأحيان إلى بعض النصوص الأدبيَّة والشعرِيَّة الحديثة؛ وأقصد هنا أَنَّ السامع لكي يتفاعل مع الجملة فلا بد أَنْ يبتدأ المُتَكَلِّم بشيء معروف بينه وبين السامع، وكذلك على نطاق القصيدة الشعرِيَّة لا بدَّ أَنْ تكونَ الفكرة الأساسيَّة لها واضحة بعض الشيء للقارئ لكي يستطيع الاستمتاع بها فكثير من هذه القصائد الشعرِيَّة الحديثة يستغلق فهمها على القارئ ولا يستطيع فض مغاليقها لأنَّهُ ليس هناك قدر مشترك من المعرفة في هذه النصوص بين الأديب والقارئ يبدأ منه الأديب ثُمَّ يبني عليه نصه الأدبي؛ فيتفاعل معه القارئ. والسبب أَنَّ الشاعر أوغل في ذاتيته، ولا يوجد قدر مشترك من المعرفة في القصيدة بينها وبين القارئ يمكن أَنْ ينطلق منها ليستمتع بالقصيدة. ولَعلَّ هذا قريب مما قاله أحد نقاد الأدب إذ يقول: «إِنَّ التعبير عن تجربة ذاتية بلغة تبلغ من الذاتية حد الابتعاد عن كافة المواضعات الاصطلاحية، وحدا يجعل كل اتصال مع الآخرين أمرا مستحيلا؛ ليكون أمرا مخالفا لوظيفة الفن») (١).

- ينسحب تأثير سياق الحال على الجملة الاسمِيَّة من حيث الابتداء بمعرفة أو من حيث عدم الاستغناء عن أحد ركنيها في إيصال المعنى ــ على أي شكل توجد فيه أو عليه الجملة الاسمِيَّة؛ بمعنى أَنَّ الجملة الاسمِيَّة إذا جاء مبتدؤها وخبرها مفعولين لأحد أفعال ظنّ فـ

«ليس لك أَنْ تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر») (٢)؛ لأَنَّ الاقتصار على أحد المفعولين سيُضيع الفائدة التي يريد المُتَكَلِّم إيصالها له. يقول سيبويه: «وإِنَّمَا مَنعك أَنْ تقَتصر على أحد المفعولين ههنا أنَّك إنّمَا أردْتَ أَنْ تبيّن ما استَقّر عندك من حال المفعول


(١) أرنست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة: أسعد حليم، الهيئة العامة المصريَّة للكتاب، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، ط ١، ) ١٩٩٨ م (، ص ٢٢٧،
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٩

<<  <   >  >>