للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن وظائف الحال أيضا «التنبيه»، والتنبيه كما يقول العلماء: «هو إعلام ما في ضمير المُتَكَلِّم للمخاطب ... من: نبَّهتُه على الشيء؛ بمعنى: وقفته عليه») (١).

وكما هو ظاهر من التعريف فَإِنَّ حالة التنبيه تتطلب: متكلم مُنبِّه، ومخاطَب مُنبَّه، ومُنَبَّه عليه؛ أي أَنَّ حالة التنبيه لابدَّ أَنْ ترتبط بسياق الحال بوجه من الوجوه.

يقول سيبويه في باب «ما ينتصب لأنَّهُ خبر للمعروف المبني على ما قبله من الأسماء المبهمة»: «والمعنى أَنَّكَ تريد أَنْ تنبِّهه له منطلقا، لا تريد أَنْ تعرفه عبد الله؛ لأَنَّكَ ظننت أَنَّهُ يجهله، فكَأَنَّك قلت: انظر إليه منطلقا، فمنطلقٌ حالٌ قد صار فيها عبدُ الله وحالَ بين منطلق وهذا كما حال بين راكب والفعل حين قلت: جاء عبد الله راكبا، صار جاء لعبد الله، وصار الراكب

حالا») (٢).

لقد أشار سيبويه إلى أَنَّ الحال قد تأتي للتعبير عن «التنبيه». ولكن يبدو أَنَّ الحال المنبِّهة ــ كما يبدو من كلام سيبويه ــ تأتي في جملة لها مواصفات مُعَيَّنَة، وهي أَنْ تبدأ بـ «اسم إشارة» مبنيٌّ عليه كلام، مثل الأمثلة التي أوردها: «هذا عبد الله منطلقًا، وهؤلاء قومك منطلقين، وذاك عبد الله ذاهبا، وهذا عبد الله معروفا». فالأحوال في هذه الجمل للتنبيه.

ويبدو أن التنبيه المصاحب للحال في الأمثلة السابقة مصدره اسم الإشارة الذي يتصدَّر هذه الجمل. قال ابن يعيش بعد أن أورد كلام الزمخشري عن الأدوات «ها، ألا، أما»:

«اعلم أنَّ هذه الحروف معناها تنبيهُ المخاطب على ما تُحدِّثه به، فإذا قلت: ((هذا عبد الله منطلقا)) فالتقدير: انظر إليه منطلقًا، أو انتبه عليه منطلقا. فأنت تُنبِّه المخاطب لعبد الله في حال انطلاقه، فلا بد من ذكر ((منطلقا))؛ لأنَّ الفائدة به تنعقد، ولم ترد أن تُعرِّفه إياه، وهو يُقدَّر أنَّه يجهله، كما تقول: ((هذا عبد الله) وتقول: ((ها إنَّ عبد الله منطلقٌ))، و ((ها افعل كذا))، كأنَّه تنبيه المخاطب للمُخْبَر أو المأمور») (٣).

وتقييد سيبويه الحال المنبِّهة بالجملة الاسمِيَّة المبدوءة باسم إشارة يشهد لمنهجه الذي أوضحناه سلفا من تتَبُّعه للتراكيب اللُّغَوِيَّة في السِّياقات المختلفة، وربط التراكيب اللُّغَوِيَّة المُعَيَّنَة بدلالات مُعَيَّنَة.


(١) الكفوي: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللُّغَوِيَّة، ت: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص ٢٨٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٧٨، وينظر أيضا الموضع التالي: ٢/ ٨٧، والموضع: ٢/ ١٥٢، ويفرق سيبويه بين الجمل التي تبدأ باسم الإشارة ((هذا، هؤلاء))، والجمل التي تبدأ بـ ((ذاك، أولئك، تلك))؛ فإذا جاء التركيب مع ذاك فالتنبيه لشيء متراخٍ. ٢/ ٧٨
(٣) شرح المفصل، ٥/ ٤٢، ٤٣ طبعة دار الكتب العلمية.

<<  <   >  >>