للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣. ومن خلاله يضمر الفعل في أسلوب الاختصاص: يقول: «قولك: إِنَّا معشر العرب نفعل كذا وكذا؛ كَأَنَّه قال: أعني، ولكنَّه فعلٌ لا يظهر ولايستعمل ... لأَنَّهم اكتفوا بعلم المخاطب» (١).

٤. ومن خلال علم المخاطب يُجَوِّزُ حذف المستثنى فيه: في مثل قولنا: «ليس غيرُ» و «ليس إلا» كَأَنَّ القائل قال في مثل هذه التراكيب: «ليس إلا ذاك، وليس غيرُ ذاك؛ ولَكِنَّهم حذفوا ذلك تخفيفا واكتفاء بعلم المخاطب ما يعني» (٢).

٥. ومن خلاله يقدِّرُ اسم كان أحيانا: يقول: «تقول العرب: من كذب كان شرا له؛ يريد: كان الكذب شرا له؛ إلا أَنّهُ استغنى بأن المخاطَب قد علم أَنّهُ الكذب» (٣).

٦. وتُحذَف كثيرٌ من العوامل في الجملة لكثرة الاستعمال ولعلم المخاطب: يقول: «تالله رجلا، وسبحان الله رجلا، وإِنَّمَا أراد: تاللهِ ما رأيت رجلا، ولَكِنَّه يترك الإظهار استغناء؛ لأَنَّ المخاطب يعلم أَنَّ هذا الموضع إِنَّمَا يُضْمَر فيه الفعل لكثرة استعمالهم إياه» (٤).

٧. ولأهمِيَّة المخاطب في عَمَلِيَّة الكلام اهتمت اللُّغَة بتنبيهه دوما، وخصصت أدوات لذلك، مثل

«ها» التنبيه، يقول: «وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدَّمة، ولَكِنَّها تكون للتنبيه بمنزلتها في هذا؛ يدُلُّك على هذا قوله عز وجل: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ}») (٥). أي أَنَّه لولا المخاطب ما كانت هذه الأدوات.

ومن طريف ما أبرزه سيبويه متعلقا بالمخاطب إيضاحُه أَنَّ اللُّغَة تحترم درجة المخاطب من حيث قربه وبعده من المُتَكَلِّم، فالمخاطب الأقرب له الأولوِيَّة في الحديث عنه عن الأبعد. يبرز هذا سيبويه قائلا: «فقولك: أعطانيهِ وأعطانيك، فهذا هكذا إذا بدأ المُتَكَلِّم بنفسه، فإذا بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال: أعطاكني، أو بدأ بالغائب قبل نفسه فقال: أعطاهوني، فهو قبيح لا تَكَلَّم به العرب ... ، وإِنَّمَا قبح عند العرب كراهية أَنْ يبدأ المُتَكَلِّم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب ... وإِنَّمَا كان المخاطب أولى بأن يبدأ به من قبل أَنَّ المخاطب أقرب إلى المُتَكَلِّم من الغائب، فكما كان


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢٣٣
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٤٥
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٩١
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٩٤ ــ ٢٩٤ ويمكن لمن أراد أن يحصر عدد المواضع التي استغل فيها سيبويه المخاطب مباشرة وبمنتهى الوضوح لتفسير قاعدة أو إقرارها من أن يقف على أكثر من خمسة وخمسين موضعا) ٥٥ موضعا (وأكثر، مُنْبَثَّة في أطواء الكتاب ونصوصه.
(٥) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٥٤

<<  <   >  >>