والفرق بين الجملتين في الزمن، الأولى في زمن الماضي والثانية في المستقبل؛ إذن الزمن) الماضي (هو الذي أتاح البدلية في الجملة الأولى وزمن المستقبل هو الذي منعه من الجملة الثانية
نص سيبويه الذي أمامنا ينطق بذلك بلسان الحال لا بلسان المقال. وهذا بالطبع يُثير
سؤالا: لماذا سمح زمن الماضي بالبدلية في الجملة الأولى ومنعه في الجملة الثانية عند سيبويه؟
يمكن أَنْ نعلل لهذا بقولنا:
» الجملة الأولى ذات الزمن الماضي تمَّ فيه الدخول وانتهى، ووقعت هيئة الترتيب، وثبتت في ذهن المُتَكَلِّم، وعرف من هو الشخص الأوَّل ومن الذي يليه، أي أَنَّ صفة «الأولويَّة» نِيطت بشخص مُعَيَّن مُحَدَّد قد عُرف. فنحنُ في حال النصب على الحال نخبر عن هيئة قد وقعت وتمَّت، وفي حال الرفع على البدلية نؤكِّد ونبيِّن ونوضح أَنَّ الجماعة التي دخلت قد دخلت بالفعل دخولا مرتبا.
» أما الجملة الثانية فلا تجوز فيها البدلية؛ لأَنَّ صفة «الأولويَّة» غير منوطة بأحد؛ فلا يُعرَف من هو الأوَّل الذي يمكن أَنْ يحلَّ محل واو الجماعة في قوله «ادخلوا»، فإذا عرف الأول من الآخر جاز الرفع على البدل، قال: «وقال الخليل: ادخلوا الأوَّل فالأول والوسط والآخِرُ. لا يكون فيه غيرُه وقال: يكونُ على جواز كلُّكم، حملَه على البدل») (١).
هذا ما استطعتُ رصده عن علاقة السِّياق بالبدل، ونخلص من النصوص السابقة أَنَّ البدل يتَأَثَّر بالسِّياق من خلال:
» الحالة الذهنية للمتكلم.
» توقع المُتَكَلِّم لما يريده المخاطب أو السامع.
» الزمن الذي يقال فيه البدل.
وقبل الانتقال إلى التابع التالي يجب الإجابة عن هذا السؤال: ما الفرق بين التوكيد الذي يفيده البدل والتوكيد الذي يفيده التوكيد اللفظي والمعنوي؟
يختلف توكيد البدل عن توكيد التوكيد اللفظي والمعنوي في أَنَّ توكيد البدل يتَّجه إلى التابع نفسه) البدل (، أَمَّا توكيد التوكيد اللفظي والمعنوي فيتَّجه إلى المتبوع) المؤكد (.
ونختم أيضا بهذه الملحوظة القيَّمة لبعض العلماء يقول فيها: «إِنَّ الفائدة من ذكر المبدل منه في الكلام هو التمهيد والتهيئة لذكر الثانية) البدل (، فكَأَنَّك ذكرت الجملة مرتين، مَرَّة مجملة ومَرَّة
(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٠٠