للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: «أَمَّا بدل المعرفة من النكرة فقولك: مررتُ برجلٍ عبدِ الله. كَأَنَّه قيل له: بمَن مررت؟ أو ظنّ أَنَّهُ يقال له ذاك، فأبدل مكانه ما هو أعرفُ منه») (١).

إن حساسية المُتَكَلِّم للموقف وتوقعه وظنه أن المخاطب قد يسأل عن المبدل منه، ومدى استيعاب المخاطب لما يقوله المُتَكَلِّم جعلت المُتَكَلِّم يتَّجه إلى إيضاح ما يريده عن طريق البدل. ونلاحظ هنا في هذا البدل الذي ننتقل فيه من النكرة إلى المعرفة أنَّه لا بد أَنْ يكون معروفا مسبقا لدي المخاطب ومعهودا لديه قبل؛ وإلا لما كان لهذا الانتقال فائدة، ونكون قد شبهنا الماء بعد الجهد بالماء.

• والزمن ــ وهو عنصر من عناصر سياق الحال ــ قد يؤثِّر في بعض الأحيان على البدل:

هل يمكن أَنْ يرتبط البدل بالزمن؟ أو بصيغة أدق: هل يرتبط معنى «البدلية» بالزمن؟ بمعنى: هل يمكن أَنْ تكونَ الكلمة بدلا في جملة لها زمن مُعَيَّن، فإذا تغير الزمن امتنع أَنْ تكونَ بدلا أو امتنعت البدلية؟

في أحد نصوص سيبويه يفهم منه ذلك، أي يُفهم منه أَنَّ «البدلية» تتَأَثَّر بالزمن. يقول في هذا النَّصّ: «قولك: دخلوا الأول فالأول، وجرى على قولك واحدًا فواحدًا، ودخلوا رجُلا رَجُلا. وإن شئت رفعتَ فقلت: دخَلوا الأوّلُ فالأوّلُ، جعله بدلا وحمله على الفعل، كَأَنَّه قال: دخل الأوّلُ فالأوّلُ، وإن شئت قلت: دخلوا رجلٌ فرجلٌ، تجعله بدلا كما قال عزّ وجلّ: {بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} فإِن قلتَ: ادْخُلوا، فأمرتَ؛ فالنَّصبُ الوجهُ، ولا يكون بدلاً؛ لأَنَّكَ لو قلت: ادْخُلِ الأوّلُ فالأوّلُ أو رجلٌ رجلٌ، لم يجز، ولا يكون صفةً، لأنَّهُ ليس معنى الأوّلِ فالأوّلِ أَنّك تريد أَنْ تعرفه بشيء تحلِّيه به») (٢).

ما يفهم من نصّ سيبويه أَنَّ:

«دَخَلُوا الأولَ فالأولَ» يجوز الرفع على البدل، ويجوز النصب على الحال.

• وأنْ «اُدْخُلُوا الأول فالأول»، فالوجه النصب على الحال، ولا يجوز البدل) (٣).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٤، ويجوز في هذا التركيب الرفع، فنقول: مررت برجل عبدُ الله؛ كَأَنَّه قيل لك: من هو؟ ٢/ ١٥
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٩٨
(٣) قال المبرد في المقتضب ٣/ ٢٧٢: ((فإذا قلت: ادخلوا الأوَّلَ فالأوَّلَ، فلا سبيلَ عند أكثر النحويين إلى الرفع؛ لأنَّ البدلَ لا يكون من المخاطب؛ لأنَّك لو قدَّرته بحذف الضمير لم يجز. فأما عيسى بن عمر فكان يُجيزه، =
ويقول: معناه: ليدخل الأول فالأول، ولا أراه إلا جائزا على المعنى؛ لأنَّ قولك: ادخل، إنما هو: لتدخُلْ فى المعنى وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا)).

<<  <   >  >>