للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• إنه مما يُؤَثِّر في البدل الحال الذهنية للمتكلم ــ وهو من أبرز عناصر سياق الحال كما أوضحنا قبل. فهو أي البدل يتَأَثَّر بمدى انتباه المُتَكَلِّم ومدى تركيزه الذهني.

يوضح سيبويه ذلك بما أسماه «بدل الغلط والنسيان»، يقول في بعض النصوص: «لو قلت: ما أتاني إلا زيدٌ إلا أبو عبد الله كان جَيِّدا، إذا كان أبو عبد الله زيدا ولم يكن غيره؛ لأَنَّ هذا يكرَّر توكيدًا، كقولك: رأيت زيدا زيدا. وقد يجوز أَنْ يكون غيرَ زيد على الغلط والنسيان، كما يجوز أَنْ تقول: رأيتُ زيدًا عمرًا، لأنَّهُ إِنَّمَا أراد عمرا فنسى فتدارك») (١).

وفي نصّ آخر أوضح من سابقه يقول: «ولا يجوز أَنْ تقول: رأيتُ زيدا أباه، والأبُ غيرُ زيد، لأَنَّكَ لا تبينَّه بغيره ولا بشيء ليس منه ... . وإنّما يجوز رأيتُ زيدًا أباه، ورأيت زيدًا عمرًا، أَنْ يكون أراد أَنْ يقول: رأيتُ عمرا أو رأيتُ أبا زيد، فَغَلِطَ أو نَسِىَ، ثُمَّ استَدرك كلامَه بعدُ؛ وإمّا أَنْ يكون أَضْرَبَ عن ذلك فنَحَّاه وجعل عمرًا مكانَه») (٢).

ويخصص السيرافي «بدل الغلط» بنمط مُعَيَّن من الكلام له خصوصية سِيَاقِيَّة، فيقول: «وبدل الغلط لا يجوز أَنْ يقع في شعر ولا قرآن ولا كلام معمول محكم؛ إِنَّمَا يجئ في الكلام الذي يبتدؤه الإنسان على جهة سبق اللسان إلى الشيء الذي يريده فيلغيه، حتى كَأَنَّه لم يذكره بلفظ مما

يريده») (٣). وهي الحقيقة التي أكدها غيره من النحاة كما ذكرنا قريبا.

أي أَنَّ النصوص «المعمولة المحكمة» مثل: القرآن والحديث والشعر لا يجوز فيها هذا النوع من البدل، فلا يصح أَنْ يقع في القرآن؛ لأنَّهُ كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا الحديث لعصمة قائله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، ولا الشعر لوجود الوزن المنبِّه للشاعر على عدم الاستقامة. ونص السيرافي هنا يقود إلى أَنَّنا يمكن أَنْ نقسم كلامنا إلى قسمين: قسم معمول محكم، وقسم غير معمول ولا محكم. وقطعا فَإِنَّ القسم المعمول المحكم هو الذي ينال رعاية قائله، ولا مجال فيه للأخطاء، ويوافق السِّياق الذي يقال فيه.

• ويؤثِّر سياق الحال في البدل بشكل آخر هو أَنَّ البدل يَرِدُ أحيانا ليكون إجابة أو ردًا من المُتَكَلِّم على سؤال متوقع من المخاطب:


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٤١
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٥٢
(٣) شرح كتاب سيبويه: ٢/ ١١

<<  <   >  >>