للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تُبْدِلَ الحِمارَ مَكَانَ الرجل فتقولَ: حِمارٍ، إمَّا أَنْ تكونَ غلِطتَ أو نَسِيتَ فاستَدركتَ، وإمّا أَنْ يَبْدُوَ لك أَن تُضربَ عن مرورك بالرجل وتَجعلَ مكانه مرورَك بالحمار بعد ما كنتَ أردتَ غيْرَ ذلك») (١).

أي أَنَّ من الوظائف التي يؤديها البدل أيضا الاستدراك والإضراب. وهذا البدل الذي يفيد الاستدراك والإضراب لا يأتي في قرآن ولا شعر ولا كلام مستقيم، قال المبرد: «فهذا البدل لا يكون مثله في قرآن ولا شعر ولكن إذا وقع مثله في الكلام غلطا أو نسيانا فهكذا إعرابه») (٢). وقال السيوطي:

«قال المبرد على سعة حفظه: بدل الغلط لا يكون مثله في كلام الله، ولا في شعر، ولا في كلام مستقيم. وقال خطاب: لا يوجد في كلام العرب، لا نثرها ولا نظمها، وقد عنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر فلم أجده») (٣).

٤. الترحم:

يقول في أحد المواضع: «وزعم الخليل أَنَّهُ يقول: مررت به المسكين، على البدل، وفيه معنى الترحم») (٤).

تلك هي الوظائف الدِّلالِيَّة التي يؤديها البدل، وهي وظائف في أساسها مرتبطة بالسِّياق وبدافع منه؛ فالمُتَكَلِّم الذي يأتي بالبدل يريد أَنْ يؤكِّد أو يبين أو يفسِّر أو يستدرك أو يترحم.

والسؤال: يريد المُتَكَلِّم أَنْ يؤكد لمن؟ ويبين لمن؟ ويفسر لمن؟ ويستدرك لمن؟ ويترحم على مَن؟ وما الداعي الذي يجعل المُتَكَلِّم يؤكِّد أو يبيِّن أو يفسِّر أو يستدرك أو يترحم؟

إن المُتَكَلِّم يريد أَنْ يبين ويؤكد ويفسر ويستدرك للمخاطب؛ لأنَّهُ في سياق يستدعي ذلك، يستدعي التأكيد والتوضيح والتفسير والاستدراك والترحم. وقد سبق أَنْ أوضحنا علاقة السِّياق بالتوكيد خاصة في موضع سابق.

وإذا أتينا لذكر بعض الجوانب التي يؤثِّر فيها سياق الحال على البدل نقول:


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٣٩، وينظر أيضا الموضع ١/ ١٥٢
(٢) المقتضب، ١/ ١٦٦
(٣) همع الهوامع: ٣/ ١٤٩
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٧٥، وأضاف ابن يعيش في شرح المفصل ٢/ ٢٥٩ غرضا دلاليا آخر للبدل هو الإعلام والتنبيه، فقال: ((وأما الثاني: وهو بدل الشيء من الشيء، وهو بعضه، كقولك: رأيت زيدا وجهه، ورأيت قومك أكثرهم، وثلثيهم، وناسا منهم، وصرفت وجوهها أولها. فالثاني من هذه الأشياء بعض الأول، وأبدلته منه ليعلم ما قصدت له، وليتنبه السامع، فتثبت بقولك: رأيت زيدا وجهه، موضع الرؤية منه، فصار كقولك: رأيت وجه زيد. وكذلك قولك: رأيت قومك أكثرهم، وثلثيهم، وناسا منهم، بينت من رأيت منهم. فأكثرهم، وثلثاهم بعضهم، وكذلك ناسا منهم)).

<<  <   >  >>