للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلامُه على اليقين، وفيما يَدرى. فإذا ابتدأ كلامَه على ما فى نيّته من الشكَ أَعْملَ الفعلَ قدّم أوْ أخَّر، كما قال: زيدًا رأيتُ، ورأَيتُ زيدا») (١).

يُفْهَمُ من النَّصّ السابق أَنَّ جملة مثل «أظن زيدا قائمًا» يكون فيها الشك مسيطرًا على المُتَكَلِّم قبل أَنْ يتكلم؛ لذلك أعمل الفعل. أَمَّا الجملتان: «زيدٌ أظن قائمٌ» و «زيدٌ قائمٌ أظن» فَإِنَّ اليقين مسيطر على المُتَكَلِّم في بداية الكلام ثُمَّ طرأ عليه الشك؛ إذن فتردد المُتَكَلِّم بين الشك واليقين ظهر أثره الفوري على التركيب المشتمل على ظن وأخواتها.

وعليه فإِنَّه يتوجب علينا عند معالجة ظاهرة الإلغاء أَنْ نستصحب سياق الحال الذي يوجد فيه المُتَكَلِّم، ولا يكتفى بذكر أَنَّ سبب الإلغاء هو التوسط.

ولعل هذا الاستنتاج الذي أخذناه من نصّ سيبويه يتوافق مع كلام أستاذنا فاضل السامرائي حول هذه المسألة إذ يقول: «إِنَّ قول النُّحَاة أَنَّه يجوز إلغاء الفعل إذا توسط أو تأخَّر قد يُفهم منه أَنَّه يسوغ ذلك متى شاء المُتَكَلِّم دون نظر إلى المعنى. والحق أَنَّ معنى الإلغاء غير معنى الإعمال والمُتَكَلِّم مقيَّد بالمعنى؛ فليس له أَنْ يُعمل أو يُلغي من دون نظر إلى القصد والمعنى») (٢).

وأعتقد أَنَّ أستاذنا السامرائي يقصد بالمعنى والقصد هنا السِّياق.

ولا يفوتنا في ختام هذه النقطة أَنْ نشير إلى أَنَّ العلامة الإعرابِيّة تَأَثَّرت بالسِّياق، وظهر أثره فيها بشكل فوري وظاهر.

ويمكن أَنْ نستغل حديثنا هنا عن تأثير السِّياق في جملة ظن في الحديث عن تأثير سياق الحال على معنى الفعل ظن نفسه، فعندما نقول: «ظننت زيدًا» وتصبح جملة مفيدة يحسن السكوت عليها؛ فلا بد أَنَّ معنى ظن لا يفيد الشك ولا الرجحان. يقول سيبويه: «قد يجوز أَنْ

تقول: ظننتُ زيدًا، إذا قال: من تظنُّ، أى من تَتَّهمُ؟ فتقول: ظننتُ زيدًا، كأَنَّه قال: اتَّهَمْتُ زيدا. وعَلَى هذا قيل: ظَنينٌ؛ أى مُتَّهَمٌ») (٣).

أي أَنَّ الفعل ظن قد تتغير وظيفته النحوِيَّة، ويصبح ذا مفعول واحد إذا تغيَّر معناه الدِّلَالِيّ وأصبح بمعنى «اتهم») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٢٠
(٢) معاني النحو، دار الفكر، عمان، ط ١، ) ٢٠٠٠ م (، ٢/ ٣٣
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٢٦
(٤) الواقع أن النصوص التي ذكرها سيبويه عن ظن وأخواتها غنية بالدلالات السِّياقيَّة التي قد تحتاج إلى دراسة مستقلة وتأمل وفحص دقيق. ففي بعضها نجد تأثيرا دقيقا لسياق الحال) متمثلا في المُتَكَلِّم (على التركيب. من هذه النصوص مثلا: ((وقال عزَّ وجلَّ: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}؛ كَأَنَّك قلت: قد حسبت أنَّه لا يقول ذاك. وإِنَّمَا = حسنت أنَّه ههنا لأنك قد أثبتَّ هذا في ظِّنك كما أثبتَّه في علمك، وأنَّك أدخلته في ظنك على أنه ثابتٌ الآن كما كان في العلم ولولا ذلك لم يحسن ((أنَّك)) ههنا ولا ((أنَّه))، فجرى الظن ههنا مجرى اليقين لأنَّهُ نفيه)). ٣/ ١٦٧

<<  <   >  >>