للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفعل «علم» قد يلغى عمله بلام التوكيد، ويأتي في الجملة لإفادة التوكيد و «عدم التظنِّي» وألا يحيل المُتَكَلِّم على علم غيره. يقول سيبويه: «ومن ذلك: قد علمتُ لَعبدُ الله خيرٌ منك. فهذه اللامُ تمنَعُ العملَ ... ؛ لأَنَّها إنَّما هى لامُ الابتداء، وإِنَّمَا أَدخلتَ عليه علمتُ لتُؤكَّدَ وتجعلَه يقينًا قد علمتَه، ولا تُحيلَ على علم غيرك») (١).

فـ «علم» تفيد اليقين، ومع زيادة المبنى بدخول لام الابتداء زاد المعنى، وهو: عدم الإحالة على علم الغير. وهذا المعنى لا يمكن أَنْ يوقف عليه إلا بتتَبُّع استقصائي لهذا التركيب في السِّياقات المختلفة.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر كما يقولون؛ فإِنَّنَا يمكن أَنْ نذكر جملة من الأفعال التي يتوقَّف عملها النَّحْوِيّ على معناها الدِّلَالِيّ الذي يحدده السِّياق، بعضها من أخوات ظن، منها:

» الفعل جعل: من الأفعال التي يؤثِّر سياق الحال على معناها، وينعكس على وظيفتها النحوِيَّة الفعل «جعل»، فالجملة التي تقول: «جعلت متاعك بعضَه فوق بعض» بنصب «بعضه» يمكن توجيه النصب على ثلاثة أوجه:

١ ــ أن تكون ((جعل)) بمعنى ((صنع أو عمل))؛ فينصب مفعولا واحدًا؛ وتكون ((فوق في موضع الحال)) (٢).

٢ ــ أن تكون «جعل» بمعنى «ألقى أو أسقط»، وتكون «بعضه فوق بعض» في هذا

«كالمفعول، لا في موضع الحال؛ لأنَّهُ في جملة الفعل الذي هو ألقيت») (٣).

٣ ــ أن تكون «جعل» بمعنى «صيَّر»؛ «فينصب مفعولين؛ فتصبح فوق في موضع المفعول الثاني») (٤).

ويُجمل بعض العلماء هذه المعاني للفعل جعل ويتتبعها تاريخيا فيقول: «وأصل الجعل حِسِّيّ، تقول: جعل الشيء يجعله جعلا؛ أي: وضعه، وجعله: صنعه، وجعله: صيره ... ، ثم نقل إلى معنى الظن والاعتقاد») (٥).


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٣٦، وينظر تعليق السيرافي على هذا الموضع ٢/ ١٣٦
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٥٦
(٣) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٢/ ٢٠
(٤) السابق: ٢/ ٢٠
(٥) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، ٢/ ٢٩

<<  <   >  >>