للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«أباك» مع أَنَّ الفعل الموجود «كان» بهذه الصيغة يدل على الماضي؛ فكان من المفترض أَنْ يكون الكلام: «كان زيدٌ ضاربَ أبيك»، لَكِنَّه لم يفعل؛ إذن فلا بدَّ أَنْ تكونَ «كان» في هذا المثال لا تدل على المضي، بل تدلُّ على الأَقَلّ على الحال. وفي ذلك إشارة ضمنيَّة إلى اعتباره السِّياق في إعمال اسم الفاعل. ولَعلَّ هذا ما كان يقصده في قوله بعد هذه الجملة «كان زيدٌ ضاربا أباك؛ فَإِنَّما تُحدث أيضا عن اتصال فعل في حال وقوعه وكان موافقا زيدا، فمعناه وعمله كقولك: كان يضرب أباك، ويوافق زيدًا») (١).

إن تحديد دلالة الفعل «كان» في هذا المثال تعتمد على السِّياق لا محالة، وأنَّ معناها لا بد أَنَّهُ يدل على الحالِيَّة أو المستقبلِيَّة؛ ولَعلَّ هذا ما دفع بعض النُّحَاة إلى وضع قيد على معناها الزمني حين قال: «فإنْ كانت الصيغة فعلا ماضيا؛ فالزمن ماض محض بشرط ألا يوجد ما يجعله لغير الماضي المحض») (٢).

يُفهَم مما سبق أَنَّ الدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة لاسم الفاعل التي يتوقَّف عليها إعماله أو إهماله مرتبطة بسياق الحال، وأنَّ سيبويه يشير من طرف خفي إلى هذا.

ونحب أنْ نُنَبِّه إلى أَنَّ التنوين هنا مع اسم الفاعل له دلالة يرتبط بها وملازمة له، وأنَّه بذاته يدل على الحالِيَّة أو المستقبلِيَّة، وأنَّه يلعب دورًا مهمًّا في تحديد دلالة الجملة منزوعة السِّياق) (٣)، فدلالة قولنا: «محمدٌ قاتلٌ عمرًا» غير دلالة قولنا: «محمدٌ قاتلُ عمرو». فوجود التنوين له دلالة) الحال أو الاستقبال (، وغيابه أيضا له دلالة) المضي (٤). يقول سيبويه بعد قول الشاعر:


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ١٦٤
(٢) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ٥٤٨، وبالوقوف على هذه النتيجة يمكن أن نفسر بعض الآيات القُرْآنِيَّة مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١١]
(٣) نشير هنا أنَّه قد يحذف التنوين من اسم الفاعل العامل وهو يدل على الحال والاستقبال طلبا للخفة والاستخفاف ودفعا للاستثقال، كما أشار إلى هذا صاحب الكتاب ١/ ١٦٦، وينظر تفسير الطبري ١/ ٦٢٦ عند تفسير قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]
(٤) ومن المناظرات العلمِيَّة المتعلِّقة بما نقوله هنا تلك المناظرة التي نقلها ياقوت في معجم الأدباء) ٤/ ١٧٤١ (بين الكسائي وأبي يوسف الفقيه، وفيها: ((سمع الكسائي يقول: اجتمعت أنا وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد فجعل أبو يوسف يذمُّ النحو ويقول: وما النحو؟ فقلت: ــ وأردت أن أعلمه فضل النحو ــ ما تقول في رجل قال لرجل أنا قاتلٌ غلامَك، وقال له آخر: أنا قاتلُ غلامِك، أيُّهما كنت تأخذ به؟ قال: آخذهما جميعا؛ فقال له هارون: أخطأت، وكان له علم بالعَرَبِيَّة؛ فاستحيا، وقال: كيف ذلك؟ قال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي
قال: أنا قاتلُ غلامِك بالإضافة؛ لأنه فعل ماض، وأما الذي قال أنا قاتلٌ غلامَك بالنصب فلا يؤخذ لأنَّه مستقبل لم يكن بعد)).

<<  <   >  >>