للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما يفهم من النَّصّ السابق أَنَّ الاستخفاف مرتبط بالتراكيب كثيرة الاستعمال التي تشبه الأمثال التي تتردَّد على الألسنة. ومن الأمثلة التي ذكرها على الحذف استخفافا قولنا: «الله أكبر ومعناه: الله أكبر من كل شيء») (١).

نأتي هنا إلى تفصيل الكلام عن علاقة الحذف في الجملة الفعلِيَّة بسياق الحال بشيء من التفصيل. ونقول ابتداء إِنَّ السِّياق مُهِمّ لكي يكون للحذف مشروعية، بل هو مُهِمّ لإدراك الحذف أصلا، ومُهِمٌّ في تقدير المحذوف وتحديد معناه كما سبق وأن قررنا.

فمن الأمثلة على أَنَّ تقدير المحذوف وتحديد معناه يتوقَّف لا محالة على سياق الحال؛

قولنا: «زيدًا فقد تعني: اقتل زيدًا، أكرم زيدًا، اشتم زيدًا») (٢). يقول سيبويه: «وذلك أنَّك رأيت رجلا يَضْرِبُ أو يَشْتِمُ أو يَقتل؛ فاكتفيتَ بما هو فيه من عمله أَنْ تَلفظَ له بعمله فقلت: زيدًا؛ أى أَوْقِعْ عملَك بزيدٍ») (٣).

ومن خلال السِّياق نحدد نوع العنصر المحذوف الذي قد يكون:

- المفعول به، يقول: «ومما يقوَّى تركَ نحوِ هذا لعلم المخاطَب، قولُه عزّ وجلّ:

{وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، فلم يُعْمِل الآخِرَ فيما عمل فيه الأوّلُ استغناءً عنه ومثلُ ذلك: ونَخْلَعُ ونَتْرُكُ من يَفْجُرك») (٤). قال السيرافي: «فقد ترك إما مفعول نخلع، وإما مفعول نترك اكتفاء بعلم المخاطب») (٥).

- الفعل الأمر، يقول: «حدثنا أبو الخطاب أَنَّهُ سمع بعض العرب وقيل له: لِمَ أفسدتم مكانكم هذا؟ فقال: الصبيان بأبي. كَأَنَّه حذِر أَنْ يلام؛ فقال: لُمِ الصبيان») (٦).

قال ابن يعيش: «ومن ذلك ما حكاه سيبويه عن أبي الخطاب الأخفش ــ وكان من مشايخ سيبويه ــ أنَّه سمع بعض العرب، وقد قيل له: «لم أفسدتم مكانكم؟ » فقال: «الصبيان بأبي»، كأنَّه خاف أن يلام، فقال: لم الصبيان، فأضمر ما ينصب») (٧).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٣
(٢) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ٢/ ١٥٤
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٥٣
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٧٤
(٥) شرح كتاب سيبويه: ١/ ٣٦٤
(٦) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٥٥، وينظر الموضع: ١/ ٣٣٩
(٧) شرح المفصل، ١/ ٣١٣

<<  <   >  >>