للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَّ التركيب النَّحْوِيّ: «فعل + فاعل ضمير مستتر هو + ضمير ظاهر هو» لا يصح نحويا إلا على سبيل التوكيد المرتبط بالسياق.

وكما تتجه إرادة المُتَكَلِّم عند قصدها إزالة الشك من نفس المخاطب، أو تقرير المؤكَّد في نفس السامع أو المخاطب، أو دفع توهم غفلة ــ إلى ألفاظ التوكيد المعنوي، أو التوكيد اللفظي، فَإِنَّ هذه الإرادة قد تتجه إلى استخدام بعض المصادر الفردية لنفس هذا القصد.

ففي باب «ما ينتصب من المصادر توكيدًا لما قبله») (١) ذكر سيبويه مجموعة من المصادر تأتي في الكلام على سبيل التوكيد، وهي:

- «حقًا»، في مثل: هذا عبد الله حقا.

- «الحق لا الباطل»، في مثل: هذا زيد الحق لا الباطل.

- «غير ما تقول»، في مثل: وهذا زيد غير ما تقول.

- «أجدك لا تفعل كذا وكذا؟ »، كَأَنَّه قال: «أحقا لا تفعل كذا وكذا؟ »

- «ألبتة»، في قولك: قد قعد ألبتة.

فهذه الألفاظ تتبَّعها سيبويه في السِّياقات المختلفة كما نعلم ذلك من منهجه، ووجد أنَّها ترتبط بالتوكيد في الاستعمال اللغويّ، فلا تذكر إلا للتوكيد، أي لا تذكر إلا لإزالة شك من نفس المخاطب أو تقرير المؤكَّد في نفس السامع أو المخاطب، أو دفع توهم غفلة.

وقال النحاةُ من بعد سيبويه عن هذه الألفاظ مبيِّنين وموضحين بصورة أشد علاقتها بالسياق:

- قال ابن يعيش: «اعلم أنَّ ((حقًّا)) و ((الحَقَّ)) ونحوهما مصادرُ، والناصبُ لها فعلٌ مقدَّرٌ قبلها دلّ عليه معنى الجملة، فتؤكِّد الجملةَ، وذلك الفعل أحقُّ، وما جرى مجراه، وذلك أنَّك إذا قلت:

((هذا عبد الله)) جاز أن يكون إخبارُك عن يقين منك وتحقيق، وجاز أن يكون على شكٍّ، فأكدتَه بقولك: ((حقًّا) كأنَّك قلت: ((أَحُقُّ ذلك حقًّا))») (٢).

- قال الشيخ خالد الأزهري: «المسألة ((الرابعة: أن يكون المصدر مؤكدًا لنفسه)((أو)) مؤكدا

((لغيره، فالأول))، وهو المؤكِّد لنفسه، هو ((الواقع بعد جملة هي نص في معناه ... ))

((والثاني))، وهو المؤكد لغيره؛ هو ((الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره))، ويقع منكرًا ومعرفًا، فالأول نحو: ((زيد ابني حقًّا))، فجملة ((زيدٌ ابني)) تحتمل الحقيقة والمجاز، ولكنَّها صارت نصًّا بالمصدر؛ لأنَّ قولك: ((حقًّا)) يرفع المجاز ويثبت الحقيقة، وسمّي مؤكِّدًا لغيره؛ لأنَّه يجعل ما قبله نصًّا بعد أن كان محتملًا، فهو مؤثِّر، والمؤكد به متأثّر، والمؤثر غير المتأثر. ((و)) الثاني


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٧٨، وما بعدها
(٢) شرح المفصل: ١/ ٢٨٥

<<  <   >  >>