للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعند قولنا: «لا رجلَ في الدار، وما رأيت رجلا في الدار»؛ فَإِنَّ «الصورتين [تثبتان] العموم للنكرة «رجل»؛ وذلك ضرورة واقتضاء، لا لمعنى في نفس الصيغة؛ إذ إِنَّ النكرة في الإثبات والنفي أو النهي لا تتناول إلا واحدا») (١). «إِنَّ النكرة المنفية بـ «لم، لا، ليس، لن» تفيد العموم سواء دخل حرف النفي على فعل، نحو: «ما رأيت رجلا»، أو على اسم، نحو: «لا رجل في الدار»، ونحو: «ما أحد قائما، أو ما قام أحد» ... ») (٢).

ولكن يبدو أَنَّ هذا الأمر ليس على إطلاقه، وأنَّ لسياق الحال دخلا في هذه القاعدة، هذا ما نفهمه من نصٍ لسيبويه، لا يُسَلِّمُ من يفهمه بالقاعدة الأصولية السابقة. يقول سيبويه: «ولا يجوز

لـ «أحدٍ» أَنْ تَضعه في موضعِ واجبٍ، لو قلتَ: كان أحد من آل فلان لم يجز؛ لأنَّهُ إِنَّمَا وقع في كلامهم نفْيًا عامًا. يقول الرجلُ: أتاني رجلٌ، يريد واحدًا في العدد لا اثنين؛ فيقال: ما أتاك رجلٌ؛ أي أتاك أكثرُ من ذلك، أو يقول أتاني رجلٌ لا امرأةٌ فيقال: ما أتاك رجل؛ أي امرأة أتتْك.

ويقول: أتاني اليومَ رجلٌ؛ أي في قوّته ونفاذه، فتقُول: ما أتاك رجلٌ؛ أي أتاك الضُّعفاءُ. فإذا

قال: ما أتاك أحدٌ صار نفيًا عامّا لهذا كلَّه، فَإِنَّما مجراه في الكلام هذا») (٣).

إن معنى كلمة «رجل» في مثال سيبويه «ما أتاك رجل» تحتمل المعاني الآتية:

- ما أتاك رجل، أي: أكثر من رجل واحد.

- ما أتاك رجل، أي: امرأة أتتك.

- ما أتاك رجل، أي: رجل ضعيف ليس بالقوي.

هذه المعاني المستنبطة لا بدَّ أَنْ يكون لسياق الحال دخل في استنباطها، حتى وإن لم ينص سيبويه على ذلك.

إن نصّ سيبويه السابق يُلزم القاعدة الأصولية السابقة التي تقول «النكرة في سياق النفي تفيد العموم» بوضع قيد إليها، ويعاد صياغتها كما يلي: «النكرة في سياق النفي تفيد العموم إذا لم يتعارض هذا مع السِّياق». ونص سيبويه هنا يشير أيضا إلى أهمِيَّة السِّياق في التحديد الدِّلَالِيّ الدقيق للاسم النكرة عموما. وقد تنبَّه بعض متأخري الأصوليين لهذا الأمر، فنجد الإمام القَرافي


(١) د. نادية محمد شريف العمري: العام ودلالته بين القطعية والظنية، دراسة أصولية مقارنة، دار هجر، القاهرة، ط ١، ) ١٩٨٧ م (، ص ٩٣
(٢) السابق، ص ٩٤
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٥٤ ــ ٥٥

<<  <   >  >>