للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخرج التحذير للنفس، فإنَّ المقصود به المخاطب، وهو نظير قولك: «لا أرينَّك هنا بعد اليوم» فهو وإن كان بأسلوب النهي للمتكلم إلا أنَّ المقصود المخاطب») (١).

ومما يتصل بأسلوب التحذير ويرتبط بالسياق بوجه ما ــ ما أشار إليه سيبويه من تقدير الفعل الذي يأتي مع الضمير «إيّاك». يقول سيبويه:

«هذا باب ما جرى منه على الأمر والتحذير وذلك قولك إذا كنتَ تحذِّر: إيَّاكَ. كإِنَّك قلت: إيَّاكَ نَحِّ، وإيّاك باعِدْ، وإيّاك اتّقِ، وما أشبه ذا») (٢).

«وكذلك أنْ تَفْعَلَ، إذا أردتَ إيّاك والفعلَ. فإِذا قلت: إيّاك أن تفعلَ، تريد إيَّاكَ أَعِظُ مَخافة أنْ تفعل أو من أجل أن تفعل جاز») (٣).

فسيبويه لم يقدِّر فعلا محددًا مع الضمير «إيّاك» في أسلوب التحذير، بل قدَّر معه: «نَحِّ، باعِد، اتَّقِ، أَعِظُ ... »، فـ «كل ما يؤدي المعنى صحَّ تقديره») (٤)؛ ولا شك أن تقدير الفعل المناسب يتوقف على الحال والمقام.

ويشير سيبويه إلى تأثير السِّياق على هذا الأسلوب عند حديثه عن سبب حذف الفعل العامل فيه؛ فيقول: «مثل ذلك: أَهْلَكَ والليلَ، كأَنّه قال: بادِرْ أهلَك قبل الليل، وإنَّما المعنى أَنْ يحذَّره أَنْ يُدرِكه الليلُ. والليلُ محذَّرٌ منه، كما كان الأسدُ محتفَظا منه. ومن ذلك قولهم: مازِ رأسَك والسيفَ كما تقول: رأسَك والحائطَ وهو يحذَّره، كأَنّه قال: اتقِ رأسَك والحائطَ. وإنّما حذفوا الفعلَ فى هذه الأشياءِ حين ثَنَّوْا لكثرتها فى كلامهم، واستغناءً بما يرون من الحال، ولما جرى من الذكر») (٥).

أي أَنَّ الحال والمقام الذي يرد فيه الأسلوب هما ما يبرران حذف هذا الفعل العامل.

ويفسر بعض النحاة حذف الفعل العامل في أسلوب التحذير تفسيرًا سياقيا ذكيا، فيذكر أنَّ السبب الذي يمنع المتكلم من ذكر العامل هو «ضيق الوقت»؛ فالمتكلم قد يستغرق وقتا في النطق بالعامل، وقد يترتب على هذا عدم إمكانية التحذير، قال الرَّضِيّ: «وحكمةُ اختصاص وجوب الحذف بالمحذر منه المكرَّر كونُ تكريره دالا على مقاربة المحذَّر منه للمحذَّر، بحيث يضيق الوقت إلا عن ذكر المحذَّر منه على أبلغ ما يمكن، وذلك بتكريره، ولا يتسعُ لذكر العامل مع هذا


(١) معاني النحو: ٢/ ١٠٤
(٢) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٣
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٩
(٤) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، ٢/ ١٠٧
(٥) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٧٥

<<  <   >  >>