للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«واعلم أَنَّهُ ليس كلُّ موضع يجوز فيه التعظيمُ، ولا كلُّ صفة يحسن أَنْ يعظَّم

بها. لو قلت: مررت بعبد الله أخيك صاحبَ الثياب أو البزّاز، لم يكن هذا مما يعظَّم به الرجل عند الناس ولا يفخَّم به. وأما الموضع الذي لا يجوز فيه التعظيم فأن تذكر رجلاً ليس بنبيهٍ عند الناس، ولا معروفٍ بالتعظيم ثُمَّ تعظمه كما تعظم النبيه. وذلك قولك: مررت بعبد الله الصالح. فإنْ قلت مررت بقومك الكرام الصالحين ثُمَّ قلت المُطعِمين في المَحْل) المَحْلُ: الجَدبُ، وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء (، جاز لأنَّهُ إذا وصفهم صاروا بمنزلة من قد عُرف منهم ذلك، وجاز له أَنْ يجعلهم كَأَنَّه قد عُلموا. فاستحسن من هذا ما استحسن العربُ، وأجِزْه كما أجازته») (١).

ومن خلال تأمل نصّ سيبويه هنا نضع أيدينا على الحقائق التالية:

أالتعظيم يرتبط بمواقف سِيَاقِيَّة مُعَيَّنَة ومخصوصة.

ب يحتاج النصب على التعظيم إلى صفات مُعَيَّنَة «تعارف» الناس فيما بينهم على أنَّها صفات «عظيمة» يُفَخَّمُ ويُبَجَّلُ ويُكَبَّرُ صاحبُها، مثل ــ كما ذكر سيبويه في نصه ــ:

«النباهة»، «والإطعام وقت المَحْل»، «والصلاح». ويجب أَنْ يُعْرَف ما من الصفات يميل بها العُرْفُ إلى استخدامها مع البشر، وما يميل بها العُرْفُ إلى ستخدامه التعظيم «الذات الإلهية».

ت وأنْ يكون صاحب الصفة «معروفا» عند الناس.

ث وأنْ تكون الصفة محل التعظيم «متأصِّلة» في صاحبها.

أي أَنَّنا لكي «ننصب على التعظيم» يجب أَنْ نوفر الشروط الآتية: وجود سياق تعظيمي مُعَيَّن، صفة من الصفات التي يتعارف الناس فيما بينهم على التعظيم بها، وأنْ يُعْرَفَ صاحبُها، وأَنْ تكون هذه الصفة متأصِّلة فيه، ويعرف كونها خاصة بالبشر أم خاصة بالذات الإلهية.

وينبغي أَنْ نشير هنا أَنَّ أحد أسرار النصب على التعظيم ــ كما يفهم من كلام سيبويه ــ

«العُرْف»، وما «يتعارف» عليه الناس من صفات التعظيم.

وقد يرد على الذهن سؤال هو: هل هناك فرق بين قولنا «نصب على التعظيم» و «نصب على المدح»؟

أقول إنّ هناك فرقا دقيقا بين قولنا «نصب على التعظيم» وقولنا «نصب على المدح»، وقد كان سيبويه ــ شيخ العربِيَّة ــ على وعي بهذا الفرق، ولم يضطرب في استخدام المصطلحين.


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٦٩

<<  <   >  >>