للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أَنَّ تلك الشروط التي استنبطناها من نصّ سيبويه للنصب على التعظيم هي شروط سِيَاقِيَّة بامتياز، فالنصب على التعظيم يحتاج إلى موقف له خصوصية سِيَاقِيَّة مُعَيَّنَة، وهي في الغالب مواقف المدح والثناء، والعرف يتدخل في تحديد الصفة التي يعظم بها، والصفات التي يُعَظَّم بها تختلف من جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر، والشخص المعظم يجب أَنْ يكون معروفا بين جماعته اللُّغَوِيَّة بهذه الصفات؛ لهذا قال السيرافي: «يحتاج التعظيم إلى اجتماع معنيين في

المعظم: أحدهما أَنْ يكون الذي عُظِّم به فيه مدح وثناء ورفعة. والآخر: أَنْ يكون المعظم قد عرفه المخاطب وشهر عنده بما عظم به، أو يتقدَّم من كلام المُتَكَلِّم ما يتقرر به عند المخاطب حال مدح وثناء وتشريف في المذكور يصح أَنْ يورد بعدها التعظيم») (١).

وما يصحُّ للتعظيم لذات الله ــ عز وجل ــ قد لا يصح للبشر، والعكس بالعكس، فـ «ليس كل شيء من الكلام يكون تعظيما لله عز وجل يكون تعظيما لغيره من المخلوقين: لو قلت: الحمدُ لزيد تريد العظمةَ لم يجز، وكان عظيمًا)؛ أي كان أمرا عظيما غير مغتفر (») (٢).

ومن خلال السِّياق نُفَرِّق بين النصب على التعظيم أو الشتم وبين النصب على أساس أي معني آخر، فمثلا:

- قول الشاعر:

لا عَيبَ بِالقَومِ مِن طولٍ وَلا عِظَمٍ ... جِسمُ البِغالِ وَأَحلامُ العَصافير [بحر البسيط]

«فلم يردْ أَنْ يجعله شتما، ولَكِنَّه أراد أَنْ يعدد صفاتهم ويفسرها، فكأَنَّه قال: أَمَّا أجسامهم فكذا وأمَّا أحلامهم فكذا») (٣).

- وقول الشاعر:

وما غرّني حوزُ الرِّزاميّ مِحصَنًا ... عَواشِيَها بالجَوّ وهو خصيبُ [بحر الطويل]

«ومِحصن: اسم الرزامى، فنصبه على أعني، وهو فعل يظهر، لأنَّهُ لم يرد أكثر من أَنْ يعرفه بعينه، ولم يرد افتخارا ولا مدحا ولا ذما») (٤).


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٦٩، الحاشية ذات الرَّقْم ٦
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٩٦
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٧٤
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٧٤، ويؤكد الأستاذ عبد السلام هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ٣ على أنَّ موطن الشاهد نصب ((محصن بإضمار فعل يجوز إظهاره، وهو أعني، ولم يقصد مدحا ولا ذما فينصبه عليه)). أما المصدر
((حَوْز)) فمعموله في البيت كلمة ((عواشيها))، ولا يجوز أن يكون ((محصنا)) هو معمول هذا المصدر؛ لأنَّ المعنى لا يستقيم على ذلك، فمعنى البيت: أن الشاعر لم يغره أن يحوز) يجمع (الرزامي) نسبة إلى رزام، وهم حي من بني عمرو بن تميم (ــ ويقصد ويعني من بينهم محصنا ــ العواشي) المواشي التي ترعى بالعشي (، ليمنع الشاعر القرى.

<<  <   >  >>