للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وباعتبار أن الطبيعة جزء من مكونات سياق الحال وإحدى مكوناته فإنَّه يحِقُّ لنا أنْ نقرِّر ــ بناء على كلام ابن جني هنا الذي يخالف الجمهور ــ أنَّ سياق الحال لا يؤثِّر فقط على الجملة ومكوناتها، بل إنه أيضا يؤثر ــ أحيانا ــ على بنية الألفاظ، وكيفية صياغة هذه البنية.

ونجد ابن جني يحاول في أحد مواضع كتابه الخصائص تفسير دلالات الألفاظ غير الطبيعية أي: تفسير دلالة الألفاظ التي لا يبدو فيها وجود علاقة طبيعية بين اللفظ ومدلوله، ويحاول أنْ يُرجِع تلك الأسباب ــ على حد فهم الباحث ــ إلى أسباب «سياقية اجتماعية». وأطرف ما في الأمر أنّه استند على نص لسيبويه ليؤيد به ما ذهب إليه، يقول:

«وقد يمكن أن تكون أسباب التسمية تخفى علينا لبعدها في الزمان عنا؛ ألا ترى إلى قول سيبويه) (١): «أو لعلَّ الأوَّل وصل إليه علم لم يصل إلى الآخِر»؛ يعني أن يكون الأوَّل الحاضر شاهد الحال فعرف السبب الذي له ومن أجله ما وقعت عليه التسمية؛ والآخر ــ لبعده عن الحال ــ لم يعرف السبب للتسمية؛ ألا ترى إلى قولهم للإنسان إذا رفع صوته: قد رفع عقيرته، فلو ذهبت تشتق هذا بأن تجمع بين معنى الصوت وبين معنى «ع ق ر» لبعد عنك وتعسفت، وأصله أن رجلًا قُطِعَت إحدى رجليه فرفعها ووضعها الأخرى ثم صرخ بأرفع صوته فقال الناس: رفع عقيرته») (٢).

أي أنَّه في بعض الأحيان يكون ارتباط لفظ معين بدلالة معينة راجعا إلى «أسباب» لا تخلو أن يكون بعضها أسبابا سياقية اجتماعية كما هو واضح في نهاية النص السابق.

نكمل بقية حديثنا عن المصادر ونقول إنه يُلجَأ إلى السِّياق لتحديد معنى المصدرية مع بعض المصادر التي قد تشير بنيتها إلى معنيين: معنى الاسمِيَّة ومعنى المصدرية. مثال ذلك كلمة

«الحَلَب» ــ بفتح الحاء واللام ــ لها معنيان: الأول: معنى المصدر، والثاني: اللبن المحلوب) (٣).

وننقل هنا نصوصا لسيبويه توضح بعض المعاني المختلفة لبعض المصادر التي لا بد وأنَّها تحتاج إلى السِّياق لتحديد المقصود منها:


(١) ينظر: الكتاب: ٢/ ١٠٢ ــ ١٠٣، ونص سيبويه هناك ((وكلُّ شيء جاء قد لَزِمَه الألفُ واللام فهو بهذه المنزلة فإنْ كان عربيًّا نعرفه ولا نعرف الذي اشتُقَّ منه فإِنَّمَا ذاك لأَنَّا جَهِلْنا ما علم غيرُنا، أو يكون الآخِرُ لم يصل إليه علمٌ وصل إلى الأوَّلِ المُسَمِّى)).
(٢) الخصائص: ١/ ٦٦
(٣) ينظر مادة ((ح ل ب)) في: مختار الصحاح ٧٨، مقاييس اللُّغَة ٢/ ٩٥، الصحاح ١/ ١١٤

<<  <   >  >>