للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل تحديد دلالة هذا المصطلح على المستوى النَّحْوِيّ عند سيبويه نُمهِّد لهذا بقولنا: كان سيبويه يقوم بتحديد المسألة النحوِيَّة التي يريد التَّقْعِيد لها، ويتَتَبَّعها في النصوص التي أمامه وبين يديه تَتَبُّعا «تزامُنِيًّا وتواقُتِيًّا» وتَتَبُّعًا «تاريخِيًّا»، أو بتعبير آخر تَتَبُّعًا رأسِيًّا وأفقِيًّا.

أما التتبُّع التزامُنِيّ التواقُتِيّ فتشي به عبارات كثيرة في الكتاب، مثل قوله: «سمعنا، سألنا، أُنشِدْنا ... ».

أَمَّا التَتَبُّع التاريخي فيظهر في مواضع قليلة من الكتاب، منها مثلا الموضع الذي يناقش فيه مسألة في الممنوع من الصرف، يقرِّرُ فيها أَنَّ الأعلام التي تأتي على وزن «فَعَالِ» إذا سُمِّيَتْ بها امرأة فَإِنَّ بني تميم ترفعها وتنصبها؛ أي لا تُجَرُّ بالكسرة، على عكس الحجازيّين الذين يجرونها بالكسرة، ويستثنى من هذه الأعلام المؤنثة الأعلام المنتهية بالراء فَإِنَّها عند التميميين والحجازيين تجر بالكسرة، يقول سيبويه: «فأَمَّا ما كان آخِرُه راءً فإنَّ أهل الحجاز وبني تميم فيه مُتَّفِقون، ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتَّفقوا في يَرَى، والحجازيَّةُ هي اللُّغَة الأولى القُدْمَى») (١).

ويهمنا في هذا النَّصّ عبارته الأخيرة التي تشير إلى البعد التاريخي الذي نقصده، وتدُلُّ على التَتَبُّع الرأسي للمسألة النحوِيَّة.

بعد هذا التَتَبُّع كان سيبويه يُخْرِج «تركيبًا أساسيًّا» للمسألة التي يناقشها ويقعد لها، ويذكر أيضا التراكيب البديلة للتركيب الأساسيّ لنفس المسألة النحوِيَّة التي يعالجها.

والتركيب الأساسي للمسألة النحوِيَّة هو التركيب الذي يحظى بأعلى نسبة تكرار في النصوص اللُّغَوِيَّة، أَمَّا التراكيب البديلة هي التراكيب الأَقَلّ تكرارا وتَرَدُّدًا من التركيب الأساسي.

بعد هذا التمهيد البسيط نقول إِنَّ مصطلح «الأصل» على المستوي النَّحْوِيّ يُقصد به عند سيبويه: «التركيب الأساسي الي يحظى بأعلى نسبة تكرار في النصوص اللُّغَوِيَّة، كما أَنَّهُ هو الذي يحظى بثبات تاريخي».

ولابد أَنْ يكون الأصل هو ما يدلُّ على الأكثر نقلا وعقلا، فأَمَّا نقلا فهو ما نلمحه في قول سيبويه: «وليس كل شيء يكثر في كلامهم يغيَّر عن الأصل، لأَنَّه ليس بالقياس عندهم، فكرهوا ترك الأصل») (٢).


(١) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٢٧٨
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٢١٣

<<  <   >  >>