للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس «في مثل حالة شيء أو فوقه شيء» ــ كما قال سيبويه. ويؤكد هذا المعنى ابن يعيش في قوله: «قولك: ما كان أحد مثلك، وما كان أحد مجترئا عليك، وإنَّما جاز الإخبار عن نكرة هنا لأنَّ

((أحدًا))، في موضع ((الناس))، والمراد أنْ يعرِّفَهُ أنَّه فوق الناس كلهم حتى لا يوجد له مثل، أو دونهم حتى لا يوجد له في الصفة مثل. وهذا معنى يجوز أن يُجْهلَ مثله، فيكون في الإخبار فائدة») (١).

إِنَّ إرادة المُتَكَلِّم هي التي «قَصَدَتْ»، وهي التي «اختارت» التركيبَ الملائم لتعبِّرَ عن مقصدها ولا بدَّ أَنْ يكون هذا القصد من قِبَل هذه الإرادة «مرتبطًا» بالسِّياق الذي تقال فيه.

ب التعبير بالصيغ الصَّرْفِيَّة التي تعبِّر عن جموع القِلَّة والكثرة ترتبط بإرادة المُتَكَلِّم، تلك الإرادة المرتبطة بدورها بسياق الحال. فهو ــ أي سياق الحال ــ الذي يرشد المُتَكَلِّم إلى تحديد صيغة الجمع المناسبة.

يقول سيبويه: «وأما ما كان فَعَلًا فإِنَّهُ يكسَّر على أفعالٍ إذا أردتَ بناء أدنى العدد، وذلك نحو: قاعٍ وأقواع، وتاج وأتواج ... ، وإذا أردت بناء أكثر العدد كسَّرْته على فِعْلان، وذلك نحو: جيران وقيعان ... ، وما كان مؤنثا من فَعَل من هذا الباب فإِنَّهُ يُكَسَّرُ على أَفْعُل، إذا أردت بناء أدنى العدد ... ، فإذا أردت بناء أكثر العدد قلت في الدار: دور» (٢).

ت ويبرز إرادة المُتَكَلِّم أيضا في اختيار صيغة التحذير المناسبة من أسماء الفعل التالية:

«مكانك، وبعدك، وعندك، وفرطك، وأمامك»؛ فإرادة المُتَكَلِّم هي التي تختار اسم الفعل المناسب للمقام.

يقول: «وأما ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي فقولك: مكانك وبعدك، إذا قلت: تأخَّر أو حذرته شيئا خلفه، كذلك عندك؛ إذا كنت تحذره من بين يديه شيئا، أو تأمره أَنْ يتقدَّم. وكذلك فرطك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئا، أو تأمره أَنْ يتقدَّم. ومثلها أمامك إذا كنت تحذره أو تبصره

شيئا» (٣).

هذه النصوص إِنَّمَا هي غيض من فيض، ففي هذه النصوص وغيرها عشرات بل مئات يظهر تأثير هذه الإرادة في اختيار التركيب أو الأسلوب المناسبين لسياق الحال.

وإذا تأمَّلنا ما تؤول إليه كلمة «إرادة» التي وردت في هذا العدد الهائل من النصوص في الكتاب نجدها تؤول إلى معني «حُرِّيَّة الاختيار»؛ إذ لا معنى لوجود إرادة بدون حُرِّيَّة اختيار، يقول


(١) شرح المفصل: ٤/ ٣٤٣
(٢) سيبويه: الكتاب، ٣/ ٥٩١
(٣) سيبويه: الكتاب، ١/ ٢٤٩، ويرتبط بمصطلح الإرادة قوله: ((أن تجعل))، الذي تكرر أكثر من ٢٨ مَرَّة

<<  <   >  >>