وكما لو أكل طعام الغير وقال: كنت أبحته لي، وأنكر المالك .. فإن القول قوله، وبهذا قال مالك والمزني.
والثاني: يصدق الراكب والزارع وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب إما بالإجارة كما زعم المالك أو بالإعارة كما زعم الراكب، والمالك يدعي عوضًا والأصل براءة ذمته منه.
والثالث: يصدق المالك في الأرض دون الدابة، وهذا هو المنصوص في (المختصر) وأظهر عند القفال؛ لأن الدواب تكثر فيها الإعارة والأرض تندر، فيصدق في كل صورة من الظاهر معه، وضعف هذا بأن الشافعي رضي الله عنه لا يعتبر العادة في الدعاوى، ولهذا لا تقدم دعوى العطار على الدباغ في دعوى العطر كما سيأتي في بابه.
والفرق بين هذا وبين ما إذا غسل ثوبه غسال أو خاطه خياط ثم قال: فعلته بالأجرة، وقال المالك: مجانًا حيث كان القول المالك مع يمينه: أن الغسال فوت منفعة نفسه ثم ادعى لها عوضًا على الغير، وههنا المتصرف فوت منفعة مال الغير وأراد إسقاط الضمان عن نفسه .. فلم يقبل.
تنبيهان:
أحدهما: إطلاق تصديق المالك يوهم استحقاقه المسمى إذا حلف على نفي الإعارة وإثبات الإجارة إتمامًا لتصديقه، والأصح: أجرة الثل.
والثاني: صورة مسألة الكتاب: أن يختلفا بعد مضي مدة لها أجرة والدابة باقية، فإن لم تمض مدة لها أجرة .. فإن المالك يسترد العين، ولا معنى للاختلاف.
وإن وقع ذلك بعد تلف الدابة، فإن تلف عقب الأخذ .. فالراكب مقر بالقيمة لمنكرها، وإن تلفت بعد مدة لها أجرة .. فالراكب مقر له بالقيمة، والمالك ينكرها ويدعي الأجرة، فإن كانت الأجرة مثل القيمة أو أقل .. أخذها بلا يمين، وإن كانت أكثر .. أخذ قدر القيمة، وفي المصدق في الزائد الخلاف.