وعلم من هذا: أنه لو بنى مسجداً وأذن في الصلاة فيه .. لم يصر مسجداً، وكذا لو أذن في الدفن في ملكه .. لم يصر مقبرة عندنا خلافاً لأبي حنيفة، ويرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه حين بنى مسجده أنه تلفظ بوقفه، ولا عمر ولا عثمان حين وسعا المسجدين، وقال صلى الله عليه وسلم:(من بنى لله مسجداً ...) الحديث، ويم يقل: وتلفظ بذلك، وقال في (البحر): إنها تصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى، فإن أخبره بأنه نواه .. لزمه في الحكم أيضاً.
أما بالكتابة المجردة .. فلا يصح كما جزم به الرافعي في (باب الهدي)، والمتجه: الصحة مع النية كالوصية.
هذا كله في الناطق، أما الأخرس .. فيصح بإشارته المفهمة كغيره من التبرعات، وإذا رأينا مسجداً يصلي الناس فيه .. فيستمر حكمه ولا يغير، لأنه في أيدي المسمين لذلك.
واستثنى في (الكفاية) تبعاً للماوردي: إذا بنى مسجداً في الموات قاصداً به ذلك .. فإنه يصير مسجداً، ويقوم الفعل مع النية مقام اللفظ، ويزول ملكه عن الآلة بعد استقرارها في موضعها.
وأجاب الشيخ بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجداً، وإنما احتيج إلى اللفظ؛ لإخراج ما كان في ملكه عنه، وأما البناء .. فصار له حكم المسجد تبعاً، ولو استقر .. لاعتبر اللفظ كما قال الروياني، فمن عمر مسجداً ولم يقف الآلة .. فهي عارية له الرجوع فيها متى شاء.