والثاني- وبه قال مالك-: لا ينتقل، بل هو باق على ملك الواقف؛ لأنه حبس الأصل وسبل الثمرة وذلك لا يوجب زوال ملكه، ولهذا تتبع شروطه.
والثالث- وبه قال أحمد-: ينتقل إلى الموقوف عليه كالصدقة.
والرابع- وهو أضعفها-: إن كان الوقف على معين .. فهو ملك الموقوف عليه بلا خلاف، أو على جهة عامة .. فالملك فيه لله بلا خلاف، واختاره الغزالي.
والخامس: مثله إلا أنه إن كان على معين .. ففيه الخلاف، حكاه الماوردي.
قال الرافعي: كل هذا فيما سوى وقف التحرير، أما وقف التحرير كالمسجد .. فالملك فيه لله بلا خلاف، بمعنى انقطاع الآدميين عنه، وألحق به ابن الرفعة الربط والمدارس، والوقف على ذلك أوسع من الوقف على المسلمين.
فإن قيل: سيأتي في (الشهادات) أن الوقف يثبت بشاهد ويمين، وهو مخالف للمصحح هنا من أنه ملك لله؛ فإن حقوق الله تعالى لا تثبت إلا برجلين .. فالجواب: أن معنى الملك هنا: انفكاك حقوق الآدميين عنه كما تقرر، فهو كالعتق من غير نظر إلى جانب المالك، ولذلك أشار إليه المصنف بـ (أي) التفسيرية؛ أي: هذا معنى الانتقال إلى الله تعالى، وإلا .. فجميع الموجودات له في كل الأوقات، بل قال إمام الحرمين في كتاب (الشامل): لا يتصور في حق العباد ملك الرقاب وإن أطلق توسعاً وتجوزاً؛ إذ المالك في الحقيقة هو الله تعالى.
قال:(ومنافعه ملك للموقوف عليه) يتصرف فيه تصرف الملاك في الأملاك، لكن يستثنى منه: وقف المسجد والبئر والمقبرة ونحوها، فللواقف أن صلي ويستقي ويدفن ويكون كأحدهم بالاتفاق كما فعل عثمان في بئر رومة، فإنه سبلها وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين، رواه النسائي والترمذي وقال: حسن.
قال:(يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة) بالاتفاق وإن قلنا الملك في الرقبة لله؛ لأن ذلك مقصود الواقف، وهذا ما لم يشترط نفي الإجارة، فإن اشترط نفيها .. امتنع كما سبق.
وفهم من تجويز الإعارة: تجويز الإجارة بدون أجرة المثل من باب أولى.