وسلم في ستة مملوكين كانوا لرجل لا مال له غيرهم عند الموت أعتق اثنين وأرق أربعة، وهذا حديث صحيح، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتقهم في المرض وصية، والذي أعتقهم رجل من العرب، والعرب إنما كانت تملك من لا قرابة بينها وبينه من العجم، ولو كانت الوصية تبطل لغير القرابة .. بطلت للعبيد المعتقين، وهذا الدليل من الشافعي أبهى من الدر منظرًا وأحلى من الشهد مخبرًا رضي الله عن الشافعي وعن أئمة المسلمين أجمعين.
وافتتح الباب في (المحرر) بقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}، وبقوله عليه الصلاة والسلام:(ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) وهو في (الصحيحين)[خ٢٧٣٨ - م١٦٢٧] من رواية ابن عمر، وإنما قدمت الوصية على الدين؛ لئلا يتهاون بها لكونها تبرعًا، أو لأنها تشق على الورثة وقد لا تطيب نفوسهم بها، فقدمت اعتناء بها، فمن له مال .. تستحب له الوصية بالإجماع.
لكن تعجيل الصدقة في الصحة وفي الحياة أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم .. قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا).
وإذا أراد أن يوصي .. فالأفضل: أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم يقدم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم بالجوار كالصدقة المنجزة.