وَلَوْ غَرَزَ فِيمَا لاَ يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ .. فَلاَ شَيْء بِحَالٍ. وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ: فإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا وَعَطَشًا .. فَعَمْدُ, وَإلاَّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشُ سَابِقُ .. فَشِبْهُ عَمْدٍ, وَإِنْ كَاَنَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشِ وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ .. فَعَمْدٌ,
ــ
قال: (ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب .. فلا شيء بحال)؛ للعلم بأنه لم يمت منه, وإنما هو موافقة قدر, كما لو ألقى عليه خرقة أو ضربه بقلم فمات.
ومحل ما ذكره المصنف: إذا لم يبالغ في إدخال الإبرة, فإن بالغ .. وجب القود قولًا واحدًا, صرح به الأصحاب.
قال: (ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب والطلب حتى مات: فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبًا جوعًا وعطشًا .. فعمد)؛ إحالة للهلاك على السبب الظاهر المفضي إلى الموت غالبًا, وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس قوةُ وضعفَا, والزمانِ حرارةُ, وبرودة, فإن فقد الماء في الحر .. ليس كفقده في البرد, وفقد الماء يهلك سريعًا, بخلاف فقد الأكل, فيعتبر ذلك, وإليه أشار بقوله: (مدةٌ يموت مثله فيها).
وإنما عطف ب (أو) ليفيد: أن فقد أحدهما كاف إذا هلك به, فإن كان عنده الطعام والشراب لكنه لم يتناوله خوفًا أو حزنًا أو أمكنة الطلب فلم يفعل .. فلا شيء على حابسه؛ لأنه قتل نفسه.
وقال في (البحر): لاحدَّ لأقل الجوع وإنْ حده الأطباء باثنين وسبعين ساعة متصلة؛ فقد واصل عبد الله بن الزبير سبعة عشر يومًا, واختبأ أبو ذر تحت أستار الكعبة بضعة عشر يومًا يخرج في الليل فيشرب من زمزم، ومع ذلك سمن حتى تكسرت عكَن بطنه.
قال: (وإلا) أي: وإن لم تمض تلك المدة المذكورة ومات (فإن لم يكن به جوع وعطش سابق .. فشبه عمد)؛ لأنه لا يقتل غالبًا (وإن كان بعض جوع وعطش وعلم الحابس الحال .. فعمد)؛ لظهور قصد الإهلاك.
و (الواو) في قوله: (وعطش) بمعنى (أو) , ولو أفضح بها .. كان أولى.