للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا .. حَرُمَ فِي الأَظْهَرِ

ــ

بسبب آخر، ولا أثر لتلطخه بالدم؛ لاحتمال أنه أصابته جراحة أخرى.

وصورة المسألة- كما قاله الماوردي-: أن يغيب عنه أن يجرحه الكلب، فلو بلغ منه مبلغ الذبح وهو يراه ثم غاب عنه ثم وجده ميتًا .. حل قطعًا؛ لأنه صار مذكى عند مشاهدته، فلم يحرمه ما حدث بعده.

قال: (وإن جرحه وغاب ثم وجده ميتًا ... حرم في الأظهر) هذه تسمى مسألة الإنماء، وقطع بعضهم فيها بالحل، وبعضهم بالتحريم، فكان ينبغي أن يعبر بالمذهب.

ويدل لما صححه المصنف: ما رواه البيهقي [٩/ ٢٤١] عن ابن عباس أنه قال: (كل ما أصميت، ودع ما أنميت)، فالإصماء: أن يقتل الصيد مكانه، ومعناه: سرعة إزهاق الروح، والإنماء: أن يصيب إصابة غير قاتلة في الحال ثم يغيب ولا يعلم هل قتله ذلك أم لا؟

وفي (مراسيل أبي داوود) [٣٨٢] عن زياد بن أبي مريم قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رميت صيدًا ثم تغيب فوجدته؟ فقال: (هوام الأرض كثيرة) ولم يأمره بأكله.

والثاني: يحل؛ لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته .. فكله ما لم ينتن) رواه مسلم [١٩٣١] من حديث أبي ثعلبة.

وقوله: (ما لم ينتن) يحتمل أن يكون خشية من أن تنهشه حية فيتغير اللحم من سمها فيفسد، ويحتمل أنه نهي تنزيه كأكل ما تغير ريحه، ولأنه لم يتحقق سبب جديد، فالأوجه: الإضافة إلى الأول، ولذلك نوجب القصاص بجرح حصل الموت بعده وإن احتمل طروء سبب آخر، فلهذا قال في زوائد (الروضة): الحل أصح دليلاً، وصححه في (الإحياء)، وثبتت فيه أحاديث صحيحة، ولم يثبت في التحريم شيء، وقد علق الشافعي رحمه الله الحل على صحة الحديث، وعبر عنه في (التصحيح) بالمختار، وفي (شرح المهذب) بالصواب، وفي (شرح مسلم) بأنه أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>