وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتيا، فإن كان بوجه باطل .. فهذا رجل فاجر، يبدل أحكام الله تعالى ويشتري بها ثمنًا قليلًا وإن كان بوجه صحيح .. فهو مكروه كراهة شديدة، ويحتمل تحريمه.
وفي حديث (القوس) ما يقتضي أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن حرام، والحديق المذكور رواه أبو داوود [٣٤٠٩] وابن أبي شيبة [٥/ ٩٨] عن عبادة بن الصامت: أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن، فأهدى له قوسا فأخذها وقال: أرمي عليها في سبيل الله، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: (إن كنت تحب أن يطوقك الله طوقا من نار .. فاقبلها (وحمله الجمهور على أنه كان عمله محتسبا، فحذره النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أجره وتوعده عليه، ولأن أهل الصفة كانوا يعيشون بصدقة الناس، وأخذ المال منهم مكروه، ودفعه إليهم مستحب.
أما إذا قصد المهذي بالهدية استمالة قلب المهدى إليه ليوليه شيئًا مما بيده من الأحكام .. فذلك حرام عليهما، ومن فعل ذلك .. فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
فوائد:
الأولى: قال الشيخ رحمه الله: إذا ابتلي إنسان بالقضاء .. لا يحل له أن يأخذ عليه شيئًا إلا أن يرزقه الإمام، أو يكتب مكتوبا يستحق عليه أجرة مثله إذا لم تكن كتابة ذلك واجبة عليه، ولا يجوز له أن يأخذ على الحكم ولا على تولية نيابة القضاء ولا مباشرة وقف أو مال يتيم شيئًا، وكذلك حاجب القاضي وكل من يلي أمور المسلمين، ومن فعل خلاف ذلك .. فقد غير فريضة الله، وباع عدله الذي بذله لعباده بثمن قليل، ولهذا تجد بعض الفجرة الذين يفعلون ذلك يأخذونه خفية، وهذه علامة الحرام، فإن الحلال يأخذه صاحبه ولا يستحيي من أخذه، والله يعلم المفسد من المصلح.
الثانية: هل يجوز للقاضي الاستعارة من رعيته ممن لم تجر له عادة بها منه قبل