وينبغي أن يكون مفرعًا على وجوب التسوية، فإن قلنا باستحبابها .. لم يتجه فيما ذكره غير الاستحباب.
وبالجملة هو فقه حسن، والبلوى به عامة، وقد رأينا من يوكل فرارًا من التسوية بينه وبين خصمه.
وملخص ما في التسوية في المجلس وجهان: المذهب استحبابها، والأكثرون على وجوبها.
قال:(والأصح: رفع مسلم على ذمي فيه) أي: في المجلس، لقوله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
قال الشيخ: وهذا من عطف الخاص على العام؛ لأن العلماء أخص من المؤمنين ويكون المعنى: أنه يرفع المؤمنين على غير المؤمنين، ويرفع العلماء من المؤمنين على بقية المؤمنين.
وروى البيقهي [١٠/ ١٣٦] عن الشعبي قال: خرج علي إلى السوق، فإذا هو بنصراني يبيع درعًا فعرفها علي فقال: هذه ردعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتيا شريحًا فلما رأى القاضي أمير المؤمنين .. قام من مجلسه وأجلسه فيه، وجلس شريح أمامه إلى جنب النصراني، فقال له علي: لو كان خصمي مسلمًا .. لقعدت معه مجلس الخصم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا تساووهم في المجالس) اقض بيني وبينه يا شريح.
فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه درعي، ذهبت مني منذ زمان، فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال: ما أكذب أمير المؤمنين! الدرع درعي، فقال شريح لأمير المؤمنين: هل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح، فقال النصراني: أشهد أن هضه أحكام الأنبياء، ثم أسلم النصراني، فأعطاه علي الدرع وحمله على فرس عتيق.