للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الرابع من الاستدلال: قول عائشة رضي الله عنها: «ترجع صواحبي بحجٍّ وعُمرة، وأرجع أنا بالحج».

وهذا صريحٌ في رفض العمرة؛ إذ لو أَدخلت الحج على العمرة لكانت هي وغيرها سواء، ولَمَا احتاجت إلى عُمرةٍ أخرى بعد العمرة والحج اللذين فعلتهما (١).

ويمكن أن يُناقش: بأنَّ عائشة إنما قالت ذلك بعد أن قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك»، وكان قصدها أن تأتي بعمرة مفردة كما قصدت أولاً، وأن ترجع بمثل ما يرجع به أزواجه، فلمَّا حصل لها ذلك قال لها: «هذه مكان عمرتك» (٢).

الوجه الخامس من الاستدلال: أنها شكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأظهرت الجزع لفوات العمرة، ولم يخبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ القارن لا يحتاج إلى الاعتمار مستقلاًّ (٣).

ونوقش: بأن هذا تَحكُّم، وكيف يُقال هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال لها: «يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك».

الوجه السادس: أنَّ عائشة اضطربت لأمرٍ لم يفعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كان هذا محلُّ افتخار وابتهاجٍ أنها وافقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأفعال، فإن لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف لهما طوافَين، ولم يسعَ سعيَين، فعلى أيِّ أمرٍ تتحسَّر؟ أعلى أمرٍ لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!

فدلَّ على أنها كانت ترى الناس فائزين بالطوافين، كما نطقت به أيضًا، حيث قالت: "يرجع الناس بحج وعمرة ... إلخ، ونفسها خائبة عن إدراك طواف العمرة، فحسرت لذلك، ولأجل ذلك أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الحج أن تعتمر من التنعيم


(١) حاشية الكيلاني القادري على كتاب الحجة (٢/ ١٤٠).
(٢) انظر: المغني (٥/ ٣٧٠) زاد المعاد (٢/ ١٧٠).
(٣) حاشية الكيلاني على الحجة (٢/ ١٤٤) نقلاً عن فيض الباري (٣/ ٨٣).

<<  <   >  >>