للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ قال: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لو يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمون}. واختلف في هذه الجملة. فقيل: "مستأَنَفَةٌ إِخبارًا مِن اللهِ سبحانه أنّه يُقَلِّب قلوبهم عن إِدراك الحقِّ، فلا يتَّبعوه: كقوله عليه السلام، "يا مقلُّب القلوبِ، ثبِّتني على دينك" وتقليب القلوبِ يحتمل أن يكون حقيقةً، بأن تَتَلبَّس، أو يُختَم عليها، فلا يَدخلها نورُ العقل؛ أو مجازًا، بمعنى خلقِ داعي ما يشاء اللهُُ فيها، على ما سبق تقريره في أوّل البقرة وغيره." وقيل: "الجملة حاليّةٌ متّصِلةٌ بما قبلها"؛ أي "كيف يؤمنون، ونحن نُقَلِّب أفئدته عن الهدى". وقد سبق الجواب عن كونه مرتَّبًا على عدم الإِيمان به أوّل مرّةٍ.

ومنها قثوله سبحانه: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كان ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون}. وذلك [أنهم] سألوا النبيَّ عليه السلام أن يُنزَّل لهم مَلَكَا يُصدِّقونه. فأخبر اللهُ سبحانه أنّه لو فَعَلَ ذلك، وأحيى لهم كَّل ميتٍ، ما آمنوا إِلاّ بمشيئة الله. ولكنّهم جاهلون في التزامهم الإِيمانَ، إِّا ظَهَرَت الآياتُ التي اقترحوها؛ لأنهم يَظنّون أنّ هدايتهم إِليهم. وليس كذلك؛ وإنما هي إلى الله. وهذا مِن أبلغِ ما يكون؛ لأنّ العاقل إِذا رأى الملَكَ وإِحياءَ الميّتِ يُضطرّ إِلى الإِيمان؛ ومع ذلك أخبر اللهُ أنهم لا يؤمنون لا يقال: "هذا مبالَغةٌ لا تُراد حقيقتُه"؛ لأنّا نقول: هو مبالَغةٌ بأمرٍ مقدورٍ لله. وقد خبر اللهٌ بنفيِ إيمانهم على تقدير وقوعِه في حالٍ؛ فلا مانع مِن حملِه على إِرادة حقيقتِه.

<<  <   >  >>