للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصوص الوعيد على تركِه. بل لا أعرِفُ نصَّا في ذلك إَلاّ قولَه عليه السلام، "مَن تَرَك يومًا مِن رمضان، لم يَقضِ عند صومُ الدهرِ على ما فيه".

الثاني: أنّ حقيقة الوجوب عند الأصوليّين مركَّبةٌ من أمرين: مَطلُوبِيَّة الفعلِ، والمنع من التِركِ. فباعتبار المطلوبيّة، يترتَّب الثوابُ. وباعتبار المنعِ، يترتَّب العقابُ. وصحّ في الحديث: "ما تقرَّب إِليّ عبدي بشيء مثل أداء ما افترضتُ عليه". والإخبار بالقُرَبِ كنايةٌ عن الوعد بالثواب، لأنّ بينهما رابطًا سببيًّا.

وإِذا ثَبتَ أنّ حصولَ الثواب مصلحةٌ في الصوم، فإِن عُورِض بها ما ادّعيتَه من دفعِ العقاب، وقفت. وإِن ادُّعِيَ أنّ مصلحة الصوم هي مجموع الأمرين، حصولِ الثواب ودفعِ العقاب، لم يصحّ حصرُك للمصلحة في أحدهما.

ثمّ قد سَبَق في قاعدة الزكاة، جوابًا له عن هذا بعينِه، أنّ العبادات أضرارٌ عاجلةٌ لتحصيل منافع آجلةِ. والنفع تارةً يكون بتحصيل خيرٍ، وتارةً بدفعِ شرِّ.

قولُه، "لا يجوز أن يُجبر الإنِسانُ على تحصيل نفعه، كما لا يُجَبر على عقدِ الإِجارة لتحصيل الأجرة. ويَجوز أن يُجبَر عليها لينتفي عنه الأجرةُ التي استغلّها واستحقّها". قلنا: هذا قياس تصرُّفِ اللهِ سبحانه على تصرُّق غيره. وهو غير صحيحٍ. فإِنّا نقول: المجبِر، إِن كان هو الله سبحانه، جاز أن يُجبِر على الأمرين. وإِن كان غيره، لم يجُز على الأمرين. فإِنّ الواحد منّا ليس له إِجبارُ الأجنبيّ منه على جلبِ نفعهِ، ولا على دفعِ ضررِه. إِلاّ أن يكون تحت حجرِه؛ فيصير كتصرُّفِ اللهِ في خَلقِه يملكهما.

أمّا المؤجِّر، حيث أجبرناه على عقد الإِجارة، فإِنّا لم نجبره من حيث أنّ ذلك دفعُ ضررٍ عنه؛ بل من حيث هو حقُّ عليه، وَجَبَ وفاؤُه؛ كما يُجبَر البائعُ على تسليم المبيع. ثم يقول المجبِرُ في ذلك: "هو الشرع؛ وهو من تصرُّف اللهِ سبحانه". وقد بيّنّا أنّ له إِجبارَ خلقِه على الأمرين.

<<  <   >  >>