في بيت المال ولم يرد إلى أصحابه، فصرفه في مصالح المسلمين أولى من صرفه فيما لا ينتفع به أصحابه، وأيضا فإنه يصير مختلطا فلا يبقى محكوما بتحريمه بعينه، مع كون هذا الصرف إلى مثل هذا واجبا على المسلمين، فإن الولاة يظلمون تارة في الاستخراج، وتارة في صرفها، فلا يحل إعانتهم على الظلم في الاستخراج، ولا أخذ الانسان مالا يستحقه. وأما ما شرع فيه الاجتهاد من الاستخراج والصرف، فكمسائل الاجتهاد، وما لا يسوغ فيه اجتهاد من الأخذ والإعطاء، فلا
يعاونون عليه. لكن إذا كان المصروف إليه مستحقا لمقدار المأخوذ، جاز أخذه من كل مال يجوز صرفه، كالمال المجهول مالكه، فإن امتنعوا من إعادته إلى مستحقه، فهل الأولى إقراره بأيدي الظلمة، أو السعي في صرفه في مصالح المسلمين إذا كان الساعي في ذلك ممن يكره أصل أخذه، ولم يعن على أخذه بل سعى في منع أخذه؟
فهذه مسألة حسنة ينبغي التفطن لها، وإلا دخل الإنسان في فعل المحرمات. وإذا لم يمكن من الواجبات إلا بالصرف المذكور، كان تركه من ترك الواجبات. وإذا لم يمكن إلا إقراره بيد الظالم، أو صرفه في المصالح، كان النهي عن صرفه في المصالح إعانة على زيادة الظلم التي هي إقراره بيد الظالم، فكما يجب إزالة الظلم يجب تقليله عند العجز عن إزالته فهذا أصل عظيم.
وأصل آخر، وهو أن اشبهات ينبغي صرفها في الأبعد عن المنفعة فالأبعد. فالأقرب ما دخل الباطن من الطعام والشراب، ثم ما ولي الظاهر من اللباس.
وله أيضاً إذا دخل المال إلى بيت المال، هل يجوز تناوله مع وجود علمه أن فيه مكسا وغيره؟ ويقال: إذا دخل بيت المال، حل، وكيف يحل المكس إذا دخل بيت المال؟