للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينشرح له صدره، وهذا كالرخص الشرعية، مثل الفطر في السفر والمرض، وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يأمر أصحابه بما لا ينشرح به صدر بعضهم، كأمره بنحر هديهم، والتحلل بعمرة الحديبية، ومقاضاته لقريش أن يرجع من عامه، وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم. وبالجملة فما ورد به نص؛ ليس للمؤمن إلا طاعته وتلقيه بانشراح الصدر، وأما ما ليس فيه نص من الله ورسوله، ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه في شيء، وحاك في صدره الشبهة الموجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة، يحر (١) عن رأيه، وإن وجد من لا يوثق بعلمه ولا دينه، بل معروف باتباع الهوى؛ فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره وإن أفتاه هؤلاء المفتون، وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا (بقي، هل مجرد وقوع جواب المفتي وحقيقته في نفس المستفتي يلزمه العمل به، فذهب ابن السمعاني إلى أن الأولى والأوجه أنه يلزمه، وتعقبه ابن الصلاح بأنه لم يجده لغيره.

قلت: وما ذكره ابن السمعاني يوافق ما في "شرح ابن الزاهدي على مختصر القدروي". وعن أحمد العياضي: العبرة بما يعتقده المستفتي، فكل ما اعتقده من مذهب؛ حل له الأخذ به ديانة، ولم يحل له خلافه. انتهى.

وما في "رعاية الحنابلة": ولا يكفيه ما لم تسكن نفسه إليه، وفي "أصول ابن مفلح": الأشهر يلزمه بالتزام، وقيل: وبظنه حقاً، وقيل: ويعمل به، وقيل: يلزمه إن ظنه حقاً. وإن لم يجد مفتياً آخر؛ لزمه، كما لو حكم به. انتهى. ولا يتوقف ذلك على التزامه، ولا سكون نفسه إلى صحته، كما صرح به ابن الصلاح، وذكر أنه الذي تقتضيه القواعد. (وشيخنا المصنف -يعني ابن الهمام- على أنه لا يشترط


(١) أي رجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>