فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي أو غير ذلك؛ لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه أو نحوي، أو كاتب؛ لم يصر كذلك بمجرد قوله ذلك، ويوضحه أن القائل: إنه شافعي ونحوه؛ يزعم أنه متبع لذلك الإمام سالك طريقه، وهذا إنما يصح إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال، فأما مع جهله وبعده جداً عن سيرة الإمام، وعلمه، وطريقه؛ فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة، والقول الفارغ من معنى؟ !
فالعامي لا يتصور أن يصح له مذهباً، ولو تصور ذلك؛ لم يلزمه، ولا يلزم أحداً أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، بحيث يأخذ بأقواله كلها ويدع أقوال غيره، وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة، لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبة وأجل قدراً، وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب صلى الله عليه وسلم، وقول خلفائه الأربعة مع غير إمامه أن يترك النص بأحد المذاهب الأربعة، فيا للعجب ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذاهب التابعين وتابعيهم، وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملة، إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأمة والفقهاء، وهل قال ذلك أحد من الأئمة، أو دعا إليه، أو دلت لفظة واحدة من كلامه عليه، والذي أوجبه الله ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة لا يختلف الواجب ولا يتبدل، فإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة، والعجز، والزمان، والمكان والحال؛ فذلك أيضاً تابع لما أوجبه الله ورسوله، ومن صحح للعامي مذهباً، قال: هو قد اعتقد أن هذا المذهب الذي انتسب إليه هو