المفتي مصلحة دينية؛ جاز مع تنبيه للمستفتي قائل ذلك، ويشترط أيضاً أن لا يتتبع الرخص، بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه؛ لانحلال ربقة التكليف من عنقه حينئذ، ومن ثم؛ كان الأوجه أنه يفسق، وأما ما نقل عن ابن الهمام من الحنفية من جواز التتبع؛ فمردود لأنه يخالف الإجماع الذي نقله ابن حزم، كما ذكره العلامة ابن حجر، ويشترط أيضاً أن لا يعمل بقول في مسألة ثم بضده في عينها، وفي هذا الشرط كلام طويل، وتحقيق لأئمتنا ليس هذا محل ذكره، وأن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل من الإمامين، كأن توضأ ومس تقليداً لأبي حنيفة، وافتصد تقليداً للشافعي، ثم صلى؛ فصلاته باطلة لاتفاق الإمامين على بطلان طهارته، وكذلك إذا توضأ ومس بلا شهوة تقليداً لمالك، ولم يدلك، تقليداً للشافعي، ثم صلى فصلاته باطلة أيضاً، لاتفاق الإمامين على بطلان طهارته أيضاً، وما أفاده كلام ابن الهمام من جواز التلفيق أيضاً؛ مردود مخالف للإجماع، فلا تغتر به.
وهل يشترط في التقليد اعتقاد المقلد أرجحية مقلده، أو مساواته لغيره، أو لا؟
فيه خلاف، فقال كثيرون: يشترط ذلك، وقال الشيخان: لا يشترط؛ فيجوز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، وهذا المشهور، وكنت منذ سنتين نظمت هذه الأبيات فقلت:
الحمد لله وصلى الهادي ... على النبي أفضل العباد
محمد وآله وسائر ... أصحابه الغر ذوي البصائر
وبعد فاعلم أنه يعتبر ... في صحة التقليد ما سيذكر
وهو اعتقاد كون من مقلداً ... أرجح منه أو له ص ١٤٥ مساويا (١)