قلت: ذلك في التقليد في العمل في حق نفسه، أما الفتوى والحكم؛ فقد نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز، وتمامه فيه، وأظنه من أثناء الجواب فيه للسبكي، والله أعلم.
ومن "فتح المجيد بأحكام التقليد" لعلي بن أبي بكر بن الجمال الأنصاري: اعلم أن حقيقة التقليد هو اعتقاد قول الغير من غير معرفة دليله التفصيلي والعمل به، وأنه يجب التقليد، أي التزام مذهب معين على كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد المطلق، وعلى هذا حمل ما في "التحفة" في النكاح استيجاها، قول من قال: إن العامي له مذهب معين، وهو الأصح عند القفال، وحمل المنقول عن عامة الأصحاب؛ الذي مال إليه الإمام النووي أنه لا مذهب له، على أنه لا يلزمه التزام مذهب معين، قال: وهو الأصح، أي أنه لا يلزم ذلك، وعدم لزومه تقليد مذهب معين، إنما كان قبل تدوين المذاهب واستقرارها، كما في "التحفة" أيضا في باب الزكاة، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز للعامي تعاطي فعل إلا إن قلد القائل بحله، أما المجتهد المذكور، فان كان اجتهد في الحكم وظنه؛ حرم عليه التقليد اتفاقا، وإن لم يجتهد؛ حرم عليه على الراجح لتمكنه من الاجتهاد الذي هو أصل التقليد. قال شيخنا إبراهيم اللقاني: وقول القرافي في الأحكام: المشهور من مذهب مالك امتناع التقليد؛ لا يعول عليه. انتهى.
ولا يقلد إلا من عرفت أهليته ولو بالاستفاضة، وإذا تعدد من يصلح للتقليد، فهل يجب تقليد الأفضل، أو يتخير ولو بمجرد التشهي؟
الأصح عند الجمهور؛ الثاني، ويجوز تقليد الميت على الصحيح ... إلى أن قال: إذا علمت ذلك؛ فلا يجوز القضاء ولا الإفتاء إلا بالراجح، وأما العمل في النفس خاصة في المسألة المذكورة، أعني ذات القولين أو الأقوال؛ فيجوز تقليد المرجوح الذي رجحه بعض أهل الترجيح، سواء