اقتضى جواز التقليد في مسألة السؤال، لأن التركيب فيهما يرجع إلى حكمين: عدم النقض بأكل لحم الجزور الراجع إلى طهارة الحدث، وطهارة بول ما يؤكل لحمه الراجع إلى طهارة الخبث، وهو شرط مغاير للذي قبله في الحقيقة والحكم. وإن شارك في اللفظ فلكل من المقالين وجه، وكفى بكل من القائلين قدوة، والأول أوفق بمشارب الخاصة، والثاني بمشارب العامة.
الرابع: أن لا يعمل بقول إمام في مسألة، ثم يعمل بضده في عينها، وفي هذا الشرط اختلاف عندنا، فالذي جرى عليه السبكي في "جمع الجوامع" تبعاً للآمدي، وابن الحاجب، بل حكيا الاتفاق عليه، وثقله عنهما غير واحد؛ هو ما تقدم، لكن نقل الإسنوي إثبات الخلاف. ثم قال: ومقتضى كلام أئمتنا خلافه، وهو عدم اشتراط أن لا يسبق منه العمل في تلك الواقعة بقول إمامة الأول؛ فافهم جواز الانتقال.
وفي الخادم: إن الإمام الطرطوسي حكى أنه أقيمت الصلاة، أي الجمعة، وهم القاضي الطبري بالتكبير، إذا طائر يزرق عليه فقال: أنا حنبلي، ثم أحرم ودخل في الصلاة، ثم حقيقة الانتقال إنما يتحقق في حكم مسألة خاصة قلد فيها وعمل به، وإلا فقوله: قلدت أبا حنيفة فيما أفتى به من المسائل، والتزمت العمل به، وهو لا يعرف صورها؛ ليس حقيقة التقليد، ثم قال: والغالب أن مثل هذه؛ إلزامات منهم يكف الناس عن تتبع الرخص، وإلا فأخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه، وأنا لا أدري ما يمنع هذا من العقل والنقل؛ فيكون الإنسان يتبع ما هو أخف عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف على أمته، وتمامه فيه، رحم الله مؤلفه رحمة واسعة، وكاتبه، وجامعه، وسامعه.
إذا تقرر ذلك؛ فالذي تقرر لنا عند شيخنا بل الله تراه، وجعل جنة