للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنَّ فِعلَه الاختِياريَّ كفِعْلِه الاضْطِراريِّ، فالَّذي يَذهَبُ ويَجيءُ باختِيارِهِ كالَّذي يَرتَعِشُ أو يَمْشي مجَنونًا في الأرضِ، وهذا مَذهبُ الجَبْريَّةِ وزَعيمُهم الجَهْمُ بنُ صَفوانَ الَّذي تَتَلمَذَ على الجَعْدِ بنِ دِرهَمٍ.

القِسْمُ الثَّاني: مَن قال: إنَّ العَبدَ مُستقِلٌّ بعَمَلِه وليس للهِ فيه عَلاقَةٌ، فالإنسانُ مُريدٌ مخُتارٌ ولا لأَحدٍ عليه سُلطَةٌ، وهذا مَذهَبُ القَدريَّةِ وهم المُعتَزِلَةُ، والقَدَرَّيةُ يُسَمَّونَ مَجوسَ هذه الأُمَّةِ؛ لأنَّهم ادَّعَوْا أنَّ للحَوادثِ خَالِقَينِ، فالحَوادثُ الَّتي هي من فِعْلِ اللهِ هي مِن فِعلِهِ، والحوادثُ الَّتي هي مِن فِعلِ العَبدِ هي مِن فِعلِه استقلالًا، وهؤلاء هُمُ المُعتزِلَةُ ومَن ظاهَرَهم، وزُعماؤُهم عَمْرُو بنُ عُبَيْدٍ وواصِلُ بنُ عَطاءٍ.

القِسم الثَّالثُ: مَن قالوا: إنَّ العَبدَ له إِرادةٌ واختيارٌ، ولكنَّ إرادتَه واختيارَهُ تَابعَةٌ لإِرادَةِ اللهِ تَعالَى ومَشيئتِهِ، وهَؤلاءِ هُمُ السَّلَفُ الصَّالحُ أَهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ، فقالوا: إنَّ العَبدَ هو الصَّائمُ القائمُ الرَّاكعُ السَّاجدُ الذَّاهبُ الجَائي هو العَبدُ وليس اللهُ، وقالوا: إنَّ هذه الأفعالَ تُنسَبُ إليه، وما أَكثرَ ما في القُرآنِ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: ١٤]، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: ٨٢]، وما أَشبَهَ ذلك؛ ولكنَّها لم تَقعْ خارجَةً عن قُدرةِ اللهِ تعالى ومَشيئتِهِ، بل هي تَحتَ قُدرَةِ اللهِ تعالى ومَشيئتِه، وفائِدَةُ ذلك أنَّه إذا وَقَعَ الفِعلُ مِنَّا عَلِمْنا أنَّ اللهَ قد شاءَه وأَرادَه، ولسنا مُستقِلِّين به.

وهذه الآيةُ: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ} تَرُدُّ على الطَّائفَتَينِ جميعًا. {وَقَيَّضْنَا} تَرُدُّ على القَدَريَّةِ، و {فَزَيَّنُوا} نَسَبَت الفِعلَ إليهم تَرُدُّ على الجبرَّيةِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الحَذَرُ مِنَ الوَساوسِ الَّتي يُلقيها الشَّيطانُ لفاعلِ المَعصيَةِ وُيزيِّنُها له، ويَقولُ: هذه سَهلَةٌ، اللهُ غَفورٌ رَحيمٌ، افعَلْ هذا ثُمَّ تُبْ وما أَشْبَهَ ذلك، احذَرْ من هذا، فإنَّ هذا وَعدُ الشَّيطانِ، {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: ١٢٠].

<<  <   >  >>