للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ فوائِدِ الآيَةِ الكَرِيمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: تَحقِيقُ أنَّ القُرآنَ مثانٍ، تُثنَّى فيه المَعاني المُتَقابِلَةِ، فإذا ذُكِرَ ثوابُ المُجرِمين ذُكِرَ ثَوابُ المُتَّقِين، وإذا ذُكِرتِ الجنَّة ذُكرتِ النَّارُ، وهلُمَّ جَرًّا؛ مِن أجلِ أنْ يَكونَ الإنسانُ سائِرًا إلَى ربِّه بيْن الخوْفِ والرَّجاءِ، وهكَذا يَنبَغي للإنْسانِ في سيرِه إلى ربِّه أنْ يكُونَ خائِفًا راجِيًا؛ لِقولِه تَعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: ٩٠]، فما سببُ (الرَّهَب) والجَوفِ؟

الجَوابُ: سببُ الخوفِ ذُنوبُ الإنسانِ، فإذا نَظرَ إلى ذُنوبِه وتَقصِيرِه خافَ كَما قال تَعالى: {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠]، أي: يَخافون ألَّا يُقبَل منهم. والرَّجاءِ، إذا نَظَر إلى عفْوِ اللهِ وفضْلِه، وأَنَّه جَلَا وَعَلَا حلِيمٌ رَجَاهُ، وقوِيَ رجاؤه، فيكُونُ دائرًا بينَ الجوفِ والرَّجاءِ.

وقال بعضُ أهْلِ العِلمِ رَحمهُمْ اللَّهُ: في الطَّاعةِ يُغلِّبُ جانِبَ الرَّجاءِ، وفي المَعصِيةِ يُغلِّبُ جانِبَ الخَوْفِ، وهَذا لَه نظَرٌ قوِيٌّ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا فعَلَ الطَّاعةَ فيَنْبَغي أنْ يُحسِنَ الظَّنَّ باللهِ، وأنَّ اللهَ سيَقْبَلُ مِنه فَيَقوَى رجاؤه. أمَّا إذا همَّ بالمَعصِيةِ فيَنبَغي أنْ يُغلِّبَ جانِبَ الخَوفِ حتَّى لا يَقَعَ في المَعصِيةِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الإيمانَ وحْدَه لا يَكفِي حتَّى يقتَرِنَ بعَمَلٍ، لكِن إذا أُطلِقَ الإيمانُ شمِلَ العمَلَ، وإنْ ذُكِرَ معَه العمَلُ صارَ العَمَلُ علانيةً والإيمانُ سِرًّا؛ مِثل قولِه تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هُنا جمَعَ بيْن الإيمانِ والعمَلِ؛ فيَكون الإيمانُ في القَلْبِ، والعَمَلُ في الجوارحِ.

فإنْ قال قائلٌ: في قَولِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.

<<  <   >  >>