للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} سَماعَ قَبُولٍ]، وهذا نَتيجةُ الإعْراضِ: أنَّهم صارُوا لا يَسْمَعون، ونَفْي السَّماعِ عنْهم؛ لانتِفاءِ فائِدتِه، وهي الاتِّعاظُ والقَبولُ.

واعْلَم أنَّ السَّمعَ يُنفَى تارَةً لِعدَم أصْلِه، وتارَة لعدَمِ ثمرَتِه؛ فقولُه تَعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} هذا نَفيٌ لأصلٍ، فالميْتُ لا يَسمَعُ، وقولُه تَعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢١] لانتِفاءِ ثمَرتِه، لأنَّ السَّمعَ الَّذي لا ثمرَة له كالمَعدُومِ.

مِن فَوائِد الآيَةِ الكرِيمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ القُرآنَ فيه البِشارَةُ والنّذارَةُ؛ لكنْ هلْ هذا مُوزَّع، أم يُمكِنُ أنْ يَكونَ بَشيرًا ونَذيرًا في آنٍ واحدٍ؟

الجَوابُ: يُمكِن هذا وهذا، أمَّا عنِ الأوَّل - {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} - فنجِدُ مِن آياتِه ما هو بِشارةٌ للمُؤمِنين، ونجِدُ مِن آياتِه ما هو إنْذارٌ. وأمَّا على الثَّاني -أنَّ الآيةَ الواحِدةَ قد ينتَفِعُ بها أقوامٌ ويتضرَّرُ بها آخرون- قال تَعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥].

ولا تَستَغربْ أنْ يكونَ الشَّيءُ الواحِدُ ضارًّا بوجهٍ ونافعًا من وجْهٍ آخرَ، فالقُرآنُ نافعٌ للمُؤمنين ضارٌّ لغيرِ المؤمِنين، ولا تستَغرِبْ هذا.

وأضرِب لَك مثلًا حِسّيًّا بالتَّمرِ؛ حُلوُ المذاقِ: فاكِهةٌ، وغِذاءٌ، وقوتٌ يأكلُه واحدٌ فيتضرَّر به، ويأكله آخرُ فينْمو به، مَع أنه شيءٌ واحدٌ! .. هكذا القُرآنُ.

<<  <   >  >>