للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأعراف: ٢٠٤] قال: أَجْمَعوا على أنَّ هذه في الصَّلاةِ، أمَّا غَيرُ الصَّلاةِ فلا يَجِبُ أن نَستَمِعَ، لأنَّنا لو قُلنا بِوجوبِ الِاستِماعِ لقُلنا: إذا شَرَعَ قَارئٌ يَقرَأُ وأنت إلى جَنْبِه حَرُمَ عليك أن تَقومَ؛ لِوجوبِ الِاستِماعِ، وهذا ما أَظُنُّ أحدًا مِنَ العُلماءِ يَقولُ به، المَمنوعُ اللَّغو واللَّغَطُ.

من فوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: خَوفُ المُشركِينَ وانزِعاجُهم مِن تَأثيرِ قِراءَةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم-، وَجهُ ذلك أنَّ بَعضَهم يوصي بَعضًا أن لا يَسمَعوا لهذا القُرآنِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قُوَّةُ تَأثيرِ القُرآنِ على سامِعِه، وهذا هو الواقِعُ؛ لقولِهِ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧]، لكنَّ القُرآنَ إنَّما يُؤَثِّرُ على مَن يَفهمُ اللُّغةَ العَربيَّةَ ومَعاني الكَلِماتِ، وأمَّا الأَعْجَميُّ حَقيقَةً أو حُكْمًا فإنَّه لا يَتَأَثَّرُ بها، ثانيًا: إنَّما يُؤَثِّرُ القُرآنُ وهو كَمالُ التَّأثيرِ على المُؤمنِ به، أمَّا المُكَذِّبُ المُستكْبِرُ فلا، حتَّى إنَّه يَقولُ: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: ٢٥].

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّه لا يَجوزُ اللَّغطُ والضَّوضاءُ حينَ قِراءَةِ القُرآنِ، فإمَّا أن تَستَمِعَ إليه وإمَّا أن تَقومَ، أمَّا أن تَجلِسَ إلى قارِئِ القُرآنِ وتُثيرُ الأصواتَ واللَّغَطَ والضَّوضاءَ، فهذا أَقَلُّ ما فيه أنَّه شَبيهٌ بصَنيعِ المُشرِكينَ، يعني: لو قَدَّرنا أنَّ هَؤلاءِ القَومَ الَّذين عِندَهم اللَّغَطُ والضَّوضاءُ لا يُريدونَ أن يُشَوِّشوا على القارئِ، ولا يُريدون ألَّا يَسمَعَ قِراءتَه أحدٌ، لكن نقول: أدنى ما فيه أنَّه مُشابِهٌ لعَمَلِ المُشرِكينَ.

ويَتَفَرَّعُ على ذلك: ما يَفعَلُه بعضُ النَّاسِ في مَتاجِرِهم ومَساكِنِهم، حيث يَفتحونَ القُرآنَ على المُسَجِّلِ ويَجعَلونَه يَقرَأُ وتَجِدُهم في ضَوضاءَ وفي كَلامٍ قبيحٍ وفي كَذِبٍ، وهذا إِهانَةٌ للقُرآنِ.

<<  <   >  >>